بدأ النبي ﷺ بدعوة أهل بيته، فأسلمت زوجه خديجة – رضي الله عنها – وهي أول الناس إسلامًا على الإطلاق، وأسلم بنات النبي ﷺ، ثم أخذ النبي ﷺ يدعو أقرب الأقربين، ممن يعيشون معه في بيته.
عليُّ بن أبي طالب يعيش في بيت النبيِّ ﷺ:
كَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه- ومِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لَهُ، وأرَادَهُ بِهِ مِنَ الخَيْرِ: أَنَّ قُرَيْشًا أصَابَتْهُمْ أزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرٍ، فقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ لِعَمِّهِ العَبَّاسِ - وَكَانَ مِنْ أيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ -: يَا أبَا الفَضْلِ، إِنَّ أخَاكَ أبَا طَالِبٍ كَثِيرُ العِيَالِ، وقَدْ أصَابَ النَّاسَ مَا ترى مِنْ هَذِهِ الأزْمَةِ، فانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ نُخَفِّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ، آخُذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلًا، وتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلًا، فَنَكْفُلُهُمَا عَنْهُ.
فَقَالَ العَبَّاسُ - رضي اللَّه عنه -: نَعَمْ، فانْطَلَقَا حتَّى أتَيَا أبَا طَالِبٍ، فقَالَا لَهُ: إنَّا نُرِيدُ أَنْ نُخَفِّفَ عنْكَ مِنْ عِيَالِكَ حتَّى يَنْكَشِفَ عنِ النَّاسِ مَا هُمْ فِيهِ.
فَقَالَ لَهُمَا أَبُو طَالِبٍ: إِذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلًا، فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا.
فأخَذَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه - فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وأَخَذَ العَبَّاسُ -رضي اللَّه عنه- جَعْفَرًا -رضي اللَّه عنه - فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فلَمْ يَزَلْ عَلِيُّ -رضي اللَّه عنه - مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا، فاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه- وَآمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَهُ، وأخَذَ العبَّاسُ -رضي اللَّه عنه- جَعْفَرًا ﷺ، ولمْ يَزَلْ جَعْفرٌ -رضي اللَّه عنه- معَ العبَّاسِ -رضي اللَّه عنه- حتَّى أسْلَمَ، واسْتَعنَى عَنْهُ.
إسْلامُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رضي اللَّه عنه):
عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ بن عبد المطلِّب، ابنُ عَمِّ النبىِ ﷺ، وُلد قبلَ بَعْثَةِ النبيِّ ﷺ بعشْرِ سنينَ على الصَّحيح، فرُبِّيَ في حِجْرِ النبي ﷺ ولم يُفَارقْهُ، وشَهِدَ معه المَشَاهِدَ كُلَّها إلا غزْوَةَ تَبُوك، وزوَّجهُ ﷺ ابنتَهُ فاطمةَ، وقد قُتل -رضي اللَّه عنه- في صَبِيحَةَ يومِ الجُمُعة، في السابعَ عشَرَ من رمضانَ، سنةَ أربعين من الهجرة.
وكانت منَاقِبُ عليِّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - وفضائِلُهُ كثيرةً جدًّا، لدرجة أن الإمام أحمدَ قال: "لم يُنْقَلْ لِأَحَدٍ منَ الصَّحابَةِ ما نُقلَ لِعَلِيٍّ".
وقد أسْلَمَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه- وهو ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، ولَمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ حِينَ أسْلَمَ، ولَمْ يَعْبُدِ الأوْثَانَ قَطُّ لِصِغَرِهِ، وهو أوَّلُ من أسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ.
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حب رسول الله ﷺ:
هو زَيْدُ بن حَارِثَةَ بن شُرَحْبِيلَ، أبو أسامةَ، حِبُّ رسولِ اللَّهِ ﷺ، ومَوْلاه - والمَوْلَى: هو المَمْلُوكُ الذي أُعْتِقَ - كان لخديجةَ أوَّلًا، فوَهَبَتْهُ إلى رسول اللَّه ﷺ قَبْلَ النُّبوَّةِ، فتَبَنَّاهُ، فكان يُقال له: زيدُ بنُ محمَّدٍ، ولم يَزَل كذلك حتى أنزل اللَّه تعالى: ﴿{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}﴾ [الأحزاب: 5]، وهاجرَ، وشَهِدَ بَدْرًا وما بَعْدَها، إلى أن بَعَثَهُ رسول اللَّه ﷺ عامَ ثمانٍ للهجرةِ أمِيرًا على جيش مُؤْتَةَ، فلقُوا الروم هنالك في جَمْعٍ عَظِيمٍ في معركة مُؤْتَةَ، فقُتلَ هنالكَ -رضي اللَّه عنه- وعُمْرُه خمس وخمسُونَ سنةً.
إسْلامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ (رضي اللَّه عنه):
كان زيدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه - أوَّلَ مَنْ أسْلَمَ مِنَ المَوَالِي، ويُقَالُ لَهُ: حِبُّ النبيِّ ﷺ، وهُوَ الذِي آثَرَ رسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى وَالِدِهِ وأهْلِهِ.
سَبَبُ وُجُودِ زيد بن حارثةَ عِنْدَ النبيِّ ﷺ:
قَدِم حَكِيمُ بنُ حِزَامِ بن خُوَيْلِدٍ - وهو ابنُ أخِي خَدِيجةَ زَوْجِ النبي ﷺ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وتأخَّرَ إسلامه حتى أسلَمَ عامَ الفَتْحِ، وَكَانَ مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وأعطاهُ رسُول اللَّه ﷺ يومَ حُنَيْن مِائَةَ بَعِيرٍ، ثم حَسُنَ إسْلامُهُ - قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بِرَقِيقٍ، فِيهِمْ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه- فدَخَلَتْ عليهِ خدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدَ، فَقَالَ لهَا: اخْتَارِي أيَّ هَؤُلَاءِ الغِلْمَانِ شِئْتِ، فهُوَ لَكِ، فاختارَتْ زَيْدًا، فأخَذَتْهُ، فلمَّا رآهُ النبيُّ ﷺ أعْجَبَهُ، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فأعْتَقَهُ رسُولُ اللَّهِ ﷺ وتَبَنَّاهُ، فَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ، وذلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.
تفضيل زيد النبيَّ ﷺ على أبيه وقومه:
كَانَ أبُو زيدٍ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عليهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وبكَى عليهِ حِينَ فَقَدَهُ، فلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ بِمَكَّةَ، قدِمَهَا لِيَفْدِيَهُ، فدَخَلَ حَارِثَةُ وَأخُوهُ عَلَى النبيِّ ﷺ فَقَالَ: يا ابنَ عبدِ اللَّهِ، يا ابنَ عبدِ المُطَّلِبِ، يا ابنَ هَاشِمٍ، يا ابنَ سَيِّدِ قَوْمِه، أنْتُمْ أَهْلُ الحَرَمِ، وجِيرَانُهُ، وعِنْدَ بَيْتِهِ، تَفُكُّونَ العَانِيَ، وتُطْعِمُونَ الأسِيرَ، جِئْنَاكَ فِي ابْنِنَا عِنْدَكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، وَأحْسِنْ إلَيْنَا في فِدَائِهِ، فإنَّا سَنَرْفَعُ لَكَ فِي الفِدَاءِ.
فَقَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ هُوَ؟".
قَال: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.
فَدَعَا رسولُ اللَّهِ ﷺ زَيْدًا، فَقَالَ لَهُ: "إنْ شِئْتَ فَأقِمْ عِنْدِي، وإنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أبِيكَ".
فَقَالَ زَيْدٌ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ، ومَا أنَا بِالذِي أَخْتَارُ عَلَيْكَ أحَدًا، أَنْتَ مِنِّي بِمَكَانِ الأبِ وَالأمِّ.
فقَال: وَيْحَكَ يَا زَيْدُ! أتَخْتَارُ العُبُودِيَّةَ عَلَى الحُرِّيَّةِ، وعَلَى أبِيكَ وعَمِّكَ وأَهْلِ بَيْتِكَ؟!
قَالَ: نَعَمْ؛ إنِّي قَدْ رَأيْتُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا، ما أنَا بِالذي أَخْتَارُ عَلَيْهِ أحَدًا أبَدًا.
فَلَمْ يَزَلْ زَيْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَصَدَّقَهُ، وأسْلَمَ، وصَلَّى مَعَهُ، فأنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}﴾ [الأحزاب: 5]، قَالَ: أنَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ.