إن رسول الله ﷺ هو خير أهل الأرض على الإطلاق نَسَبًا، فقد بلغ نَسَبُه من الشَّرف أعلى ذِرْوَةٍ، فأشرفُ القومِ قومُه، وأشرفُ القبائل قَبيلته، وأشرفُ الأفخاذ فَخِذه ﷺ، وقد شهد له أعداؤه بشرف نَسَبه، ويتجلَّى ذلك في موقف أبي سفيان قبل إسلامه – وهو عدوٌّ حينئذ - بين يدَيْ هِرَقْلَ عظيمِ الرُّوم، حيث سأله هِرَقْلُ: كيف نَسَبُه فيكم؟ فقال أبو سفيان: هو فينا ذو نَسَبٍ. رواه البخاريُّ (7)، ومسلم (1773).
سرد النسب الزكيِّ لرسول الله ﷺ:
هو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. (ذكر البخاريُّ في صحيحه هذا القَدْرَ من نسبه الشريف ﷺ في كتاب مناقب الأنصار، باب مبعث النبيِّ ﷺ).
وهذا هو القدْر المجمَع عليه من نسب النبيِّ ﷺ، ولا خلاف فيه البتَّةَ – كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد (1/ 70) - وهناك اضطرابٌ كبير بين النسَّابين فيما بعد عَدْنان، فلا يكادون يُجمِعون على جَدٍّ حتى يختلفوا فيمَن فوقَه.
قال الإمام البغويُّ في شرح السُّنة (13/ 193): "ولا يَصِحُّ حِفظ النَّسَب فوق عدنان"( ).
النَّسَب الزكيُّ للنبيِّ ﷺ:
كان ﷺ أوسطَ قومه نَسَبًا، وأعظمَهم شَرفًا، وشَرَفُ نَسبِه، وكرمُ بلده ومَنشئه لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، ولا بيان مُشكِل ولا خفيٍّ منه؛ فإنّه نُخبةُ بني هاشم، وأشرف العرب، وأعزُّهم نفَرًا من قِبَل أبيه وأمِّه، ومن أهل مكَّةَ من أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده( ). انظر: كتاب الشفا للقاضي عياض (1/ 77).
ولم يزل الرّسول ﷺ يتنقَّل من أصلاب الآباء الطّاهرين إلى أرحام الأمّهات الطّاهرات، لم يمسَّ نَسَبه الشّريف شيءٌ من سِفَاح وأدران الجاهلية؛ بل هو ﷺ من سلالةٍ كلُّهم سادةٌ أشراف أطهار.
روى أبو نعيمٍ في دلائل النّبوّة (1/ 57) وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح الجامع (3225) أنّ النّبيَّ ﷺ قال: "خرجتُ من نِكاحٍ، ولم أَخرُج من سِفَاحٍ، من لَدُنْ آدَمَ إلى أن ولدني أبي وأمِّي، لم يُصِبْني من سفاح الجاهليّة شيءٌ".
وعن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه ﷺ قال: "بُعِثْتُ من خير قرون بني آدَمَ قرنًا فقرنًا، حتى كنتُ من القرن الذي كنتُ منه" رواه البخاريُّ (3557).
وروى مسلم (2276) عن واثلةَ بنِ الأسقع -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه ﷺ: "إنّ الله اصطفى كِنانة من وَلَد إسماعيلَ، واصطفى قُريشًا من كِنانةَ، واصطفى من قريشٍ بني هاشمٍ، واصطفاني من بني هاشمٍ".
وعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: جَاءَ العَبَّاسُ، إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ شَيئًا، فقَامَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ فقَالَ: مَنْ أَنَا؟ فقَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْكَ السَّلاَمُ. قَالَ: "أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بيتًا وَخَيْرِهِمْ نَسَبًا". أخرجه أحمد في مسنده (1788)، والترمذيُّ (3532) بسند حسن.
قال الدكتور محمد أبو شُهبة: "وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - جرت سُنَّته أن لا يبعث نبيًّا إلا في وسطٍ من قومه شَرَفًا ونَسَبًا، فقد كان في الذِّرْوة من هذه نبيُّنا محمّد ﷺ، فما من آبائه إلا كان غنيًّا بالفضائل والمكارم، وما من أمٍّ من أمّهاته إلا وهي أفضل نساء قومها نسبًا وموضعًا، ولم تزل هذه الفضائل، والكمالات البشريّة تنحدر من الأصول إلى الفروع حتّى تجمَّعت كلُّها في سُلالة ولد آدم ومُصَاصة (أي: أخلصهم نسبًا) بني إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، سيّدنا محمّدٍ ﷺ"( ).