زواج والدي النبي ﷺ

إن هذا الزواج المبارك نتج عنه ولادة خير خلق الله كلهم ﷺ، ويسطِّر التاريخ أحداثًا عظامًا قبل الوصول إلى ولادته ﷺ.

نجاة والد النبيِّ ﷺ من الذبح:

لَمّا أراد عبد المطَّلب، جَدُّ النبيِّ ﷺ أن يَحفِر بئر زمزم، أحسَّ بالضَّعف لَمَّا تحدَّته قبائل قريش، حيث لم يكن لديه إلّا ابنه الحارث، فنذر لله تعالى لئن وُلِد له عشَرةُ بنينَ، ثمّ بلغوا معه حتّى يمنعوه، لينحرنَّ أحدهم عند الكعبة، فرَزَق الله تعالى عبد المطَّلب عشَرةَ بنينَ، وستَّ بنات، فقرَّر عبد المطّلب أن يفيَ بنذره، فجمعهم وأخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء بالنّذر فأطاعوه، فضرب بالقِدَاح فخرج القَدَح على عبد الله، فأخذه عبد المطّلب بيده، وكان عبدُ الله أحبَّ ولد عبد المطّلب إليه، وكان يقول: "لئن صُرف عن عبد الله، فأنا بخير".

لَمَّا خرج القدح على عبد الله، أخذه أبوه عبد المطلب بيده، وأخذ الشَّفرة، ثمّ أقبل به إلى الكعبة ليذبحه، فمنعته قُريش، ولا سيّما إخوتُه وأخواله من بني مخزوم، فقال عبد المطَّلب: فكيف أصنع بنذري؟ فأشاروا عليه أن يأتي عرَّافةً بالحجاز، فيستأمرها، فذهب إليها عبد المطّلب، فلمّا وصل إليها شرح لها تفاصيل القصّة، فقالت: كم الدِّيَةُ فيكم؟ قالوا: عشَرة من الإبل، قالت: اضربوا القِداح على عبد الله، وعلى عشْرٍ من الإبل، فإن خرجت على عبد الله فزيدوها عشْرًا حتّى يرضى ربُّه، فإن خرجت على الإبل فانحروها عنه، فرجعوا وضربوا القداح، وقرَّبوا عبد الله، وعشْرًا من الإبل، فخرج القَدَح على عبد الله، فزادوا عشْرًا، فخرجت على عبد الله، وأخذوا يزيدون عشرًا في كل مرَّة ويخرج القَدَح على عبد الله، حتى بلغت الْمِائة، فوقعت القُرْعة عليها، فقالت قريش: لقد رضي ربُّك يا عبد المطّلب، فقال عبد المطّلب: لا، حتّى أضرب عليها بالقداح ثلاثًا، ففعل، وفي كلِّ مرّة تخرج القداح على الإبل، ثمّ نُحِرت وتُركت لا يُصَدُّ عنها إنسان، ولا طَيْرٌ، ولا سَبُع.

 سيرة ابن هشام (1/ 151).

أصبح عبد الله مِلْءَ الأسماع والأبصار، ونَجْمًا في سماء قُريش بعد واقعة فدائه من الذبح، وقد كان عبد الله شابًّا، نَسِيبًا، جميلًا، وسيمًا، فتيًّا، قويَّ البُنيان؛ ما جعله حُلمًا وأملًا وغايةَ الأماني، للفتيات الحسناوات من شريفات قريش أن يصرن زوجًا له.

فرأى أبوه عبدُ المطَّلِب أن يزوِّجه فتاةً شريفةً من كرائم البيوت القُرشية، وهو شريف مكَّةَ وسيِّدها، العارفُ بالأعراق والأحساب، فوقع اختياره على أفضل امرأةٍ في قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا، وهي آمنةُ بنتُ وهبِ بنِ عبدِ مَنافِ بنِ زُهْرةَ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ، ابنة سَيِّد بَني زُهْرةَ نَسَبًا وشَرَفًا، فكان رسول الله ﷺ أوسطَ قَوْمِه نَسَبًا، وأعظمَهم شَرَفًا مِن قِبَلِ أبيه وأُمِّه.


للاستزادة


  1. سيرة ابن هشام (1/ 151).
  2. الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 41).

اخترنا لكم


الأطلس التاريخي تارخ مولده ﷺ
تارخ مولده ﷺ

العام الذي وُلِد فيه رسول الله ﷺ:وُلِد رسول الله ﷺ في عام الفيل، وهذا مُجمَع عليه ولا خلاف فيه.قال ابن كثير في السيرة النبوية (1/ 203): "قال خليفة (...)

الأطلس التاريخي حمل السيدة آمنة برسول الله ﷺ
حمل السيدة آمنة برسول الله ﷺ

تزوج عبد الله بن عبد المطَّلب بآمنة بنت وهب، حيث أخذ عبد المطَّلب بيد ابنه عبدِ الله، وذهب به حتى أتى منازلَ بني زُهرةَ، وخطب آمنةَ، ثم بنى بها عبد ال (...)