لقد ورد ذكر النبيِّ ﷺ في الكتب السابقة، وهذا ثابت في القرآن الكريم أن النبيَّ ﷺ مذكور في التوراة والإنجيل، ورغم تحريف التوراة والإنجيل والتغيير فيهما، فما زلنا نجد في التوراة والإنجيل التبشير بمقدم رسول الله ﷺ.
قال ابن كثير في تفسيره (3/ 483): "{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ}، وَهَذِهِ صِفَة مُحَمَّدٍ ﷺ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، بَشَّرُوا أُمَمَهُمْ بِبَعْثِهِ، وَأَمَرُوهُمْ بِمُتَابَعَتِهِ، وَلَمْ تَزَلْ صِفَاتُهُ مَوْجُودَةً فِي كُتُبِهِمْ، يَعْرِفُهَا عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ".
إشارة القرآن إلى ذكر النبيِّ ﷺ في التوراة والإنجيل:
- قال تعالى: ﴿{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}﴾ [الصف: 6].
- وقال تعالى: ﴿{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}﴾ [الأعراف: 157].
- وقَالَ تَعَالَى: ﴿{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}﴾ [الفتح: 29] .
- وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا دَعَا بِهِ لِأَهْلِ مَكَّةَ: ﴿{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}﴾ [البقرة: 129].
أدلَّة من التوراة والإنجيل على ذكر النبيِّ ﷺ:
مما ورد في الكتب السابقة ما يلي:
1) جاء في التوراة في سفر التثنية، الإصحاح الثامن عشر، الفقرات 18و19: "يا موسى، سأقيم لبني إسرائيل نبيًّا من إخوتهم مِثْلَك، أجعل كلامي في فمه، ويقول لهم ما آمُره به، والذي لا يقبل قول ذلك النبيِّ الذي يتكلَّم باسمي، أحاسِبُهُ علَيه".
وهذا النص موجود عندهم الآن، فقوله: "من إخوتهم"، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال: سأقيم لهم نبيًّا منهم؛ لكنه قال: من إخوتهم؛ أي: أبناء إسماعيل.
2) جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر، الفقرات 16-17: "إنه خيرٌ لكم أن أنطلق؛ لأني إن لم أذهب، لم يأتكم الْمُعَزِّي، فإذا انطلقتُ، أرسلته إليكم، فإذا جاء، فهو يوبِّخ العالم على الخطيئة، وإن لي كلامًا كثيرًا أريد قوله؛ ولكنكم لا تستطيعون حمله؛ لكن إذا جاء روح الحقِّ ذاك الذي يُرشدكم إلى جميع الحقِّ؛ لأنه ليس ينطق من عنده؛ بل يتكلَّم بما يسمع، ويُخبركم بكلِّ ما يأتي"، وهذا لا ينطبق إلا على النبيِّ ﷺ.
3) قال ابن القيم في هداية الحيارى (1/ 319) (وهو في العهد القديم، سفر التثنية، الإصحاح 33، فقرة 1): "قال في التوراة في السِّفْر الخامس: "أَقبَل الله من سَيْناءَ، وتجلَّى من ساعِيرَ، وظَهَر من جبال فَارَانَ، ومعه رَبْوَاتُ الأظهارُ عن يَمِينه"، وهذه متضمِّنةٌ للنُّبوَّات الثلاثةِ: نُبُوَّةِ موسى، ونُبُوَّة عيسى، ونُبُوَّة محمد ﷺ، فمجيئه من سَيْناءَ، وهو الجَبَلُ الذي كلَّم اللهُ عليه موسى، ونَبَّأَه عليه، إخبارٌ عن نُبوَّته، وتَجَلِّيه من ساعيرَ هو مَظهَرُ عيسى الْمَسيحِ من بَيت الْمَقْدِس، و"ساعيرُ": قريةٌ معروفة هناك إلى اليومِ، وهذه بشارة بنُبوَّة المسيح.
و"فَارَانُ": هي مَكَّةُ، وشَبَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نُبُوَّةَ مُوسَى بِمَجِيءِ الصُّبْحِ، وَفَلْقِهِ، وَنُبُوَّةَ الْمَسِيحِ بَعْدَهَا بِإِشْرَاقِهِ وَضِيَائِهِ، وَنُبُوَّةَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ بَعْدَهُمَا ﷺ بِاسْتِعْلَانِ الشَّمْسِ، وظهور ضوئها في الآفاق، ووقَع الأمر كما أَخبَر به سَوَاءً، فإن الله سبحانه صَدَع بنُبوَّة موسى ليلَ الكُفر، فأضاء فَجْرَه بنُبوَّته، وزاد الضياءُ والإشراقُ بنُبوَّة المسيح، وكَمُل الضِّياءُ، واسْتَعْلَن، وطَبَق الأرضَ بنُبوَّة محمدٍ ﷺ، وذِكْرُ هذه النُّبوَّات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البِشارةُ نَظِيرُ ذِكْرِها في أوَّل سورة {والتِّينِ والزيتون * وطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}".
هذا بعض ما ورد، وقد ذكر العلماء العديد من المواضع التي ذُكر فيها اسم النبيِّ ﷺ الصريح، أو ذكر وصف لا ينطبق إلا عليه ﷺ.
تحريف التوراة والإنجيل:
التحريف والتغيير في التوراة والإنجيل ثابت، وهم يغيرون أيَّ موضع لا يعجبهم، وقد ذكر ذلك وأثبته المؤرِّخون من غير المسلمين؛ ومع ذلك ما زلنا نجد في التوراة والإنجيل التبشير بمقدم رسول الله ﷺ، لذا؛ تجد بعض العلماء القدامى يذكرون مواضع في التوراة والإنجيل ليست موجودةً الآن؛ لكن هناك مواضع أخرى لا زالت تبشِّر بنبوَّة النبيِّ ﷺ وقُدومه.