للنبي ﷺ معجزاتٌ وآيات ظاهرة تدلُّ على نبوَّته؛ منها: انشقاق القمر، والإسراء والمعراج، والقرآن الكريم المعجزة الخالدة أبد الدهر.
معجزة انشقاق القمر:
لقد وقع انشقاق القمر في مكة المكرمة قبل الهجرة عندما طلب كفار قريش من النبيِّ ﷺ آية؛ فانشقاق القمر من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة للنبي ﷺ، وهي معجزة تواترت الأخبار بنقلها، فقد سأل المشركون بمكة رسول الله ﷺ آية، فأراهم القمر ينشقُّ إلى شقَّين.
روى البخاريُّ ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ.
غير أن قلوبهم المريضة لم تؤمن رغم عظم هذه المعجزة، وقد أنكرها البعض، وهو جهل منهم بقدرة الله - عزَّ وجلَّ – فما قدروا الله حقَّ قدره.
ثبوت انشقاق القمر للنبيِّ ﷺ:
قال أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (24/ 56):" إن عبد الله بن مسعود أوضح كيفية هذا الانشقاق، حتى لم يترك لقائل مقالًا... وقد روى هذا الحديثَ جماعة كثيرة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم: عبد الله بن مسعود ، وأنس، وابن عباس، وابن عمر، وحذيفة، وعلي، وجبير بن مطعم، وغيرهم. وروى ذلك عن الصحابة أمثالهم من التابعين، ثم كذلك يَنقُله الجمُّ الغفير، والعدد الكثير إلى أن انتهى ذلك إلينا، وفاضت أنواره علينا، وانضاف إلى ذلك ما جاء من ذلك في القرآن المتواتر عند كل إنسان، فقد حصل بهذه المعجزة العلم اليقين الذي لا يشكُّ فيه أحد من العاقلين".
لقد ثبت انشقاق القمر بأدلَّة ثابتة وواضحة؛ منها:
- قول الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1 – 2].
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: "إنَّ القَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" رواه البخاري ومسلم.
- وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اشْهَدُوا».
التشكيك في حادثة انشقاق القمر:
قال ابن الجوزي في زاد المسير (8/ 88): "وعلى هذا جميع المفسِّرين، إلا أن قومًا شذُّوا فقالوا: سينشقُّ يوم القيامة، وهذا القول الشاذُّ لا يقاوِم الإجماع، ولأن قوله: (وَانْشَقَّ) لفظٌ ماضٍ، وحمل لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تَنقُله ودليل، وليس ذلك موجودًا. وفي قوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} دليل على أنه قد كان ذلك".
وقال ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 414): "أَخْبَرَ بِاقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ، وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ قَدْ عَايَنُوهُ وَشَاهَدُوهُ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ مِثْلَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ؛ لِيُسْمِعَ النَّاسَ مَا فِيهَا مِنْ آيَاتِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِهَا وَالِاعْتِبَارِ، وَكُلُّ النَّاسِ يُقِرُّ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُهُ، فَعُلِمَ أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ عَامَّةً".
قال النوويُّ في شرح مسلم (17/ 143): "انْشِقَاقُ الْقَمَرِ مِنْ أُمَّهَاتِ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا ﷺ وَقَدْ رَوَاهَا عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَسِيَاقِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُضَاهِينَ الْمُخَالِفِي الْمِلَّةِ، وَذَلِكَ لَمَّا أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَلَا إِنْكَارَ لِلْعَقْلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، كَمَا يُفْنِيهِ وَيُكَوِّرُهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمَلَاحِدَةِ: لَوْ وَقَعَ هَذَا لَنُقِلَ مُتَوَاتِرًا، وَاشْتَرَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ، فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ هَذَا الِانْشِقَاقَ حَصَلَ فِي اللَّيْلِ وَمُعْظَمُ النَّاسِ نِيَامٌ غَافِلُونَ، وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ، وَهُمْ مُتَغَطُّونَ بِثِيَابِهِمْ، فَقَلَّ مَنْ يَتَفَكَّرُ فِي السَّمَاءِ أَوْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ، وَمِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ مُعْتَادٌ أَنْ كُسُوفَ الْقَمَرِ وَغَيْرَهُ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْأَنْوَارِ الطَّوَالِعِ وَالشُّهُبِ الْعِظَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْدُثُ فِي السَّمَاءِ فِي اللَّيْلِ، يَقَعُ وَلَا يَتَحَدَّثُ بِهَا إِلَّا الْآحَادُ، وَلَا عِلْمَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَانَ هَذَا الِانْشِقَاقُ آيَةً حَصَلَتْ فِي اللَّيْلِ لِقَوْمٍ سَأَلُوهَا وَاقْتَرَحُوا رُؤْيَتَهَا فَلَمْ يَتَنَبَّهْ غَيْرُهُمْ لَهَا، قَالُوا: وَقَدْ يَكُونُ الْقَمَرُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي بَعْضِ الْمَجَارِي وَالْمَنَازِلِ الَّتِي تَظْهَرُ لِبَعْضِ الْآفَاقِ دُونَ بَعْضٍ، كَمَا يَكُونُ ظَاهِرًا لِقَوْمٍ غَائِبًا عَنْ قَوْمٍ، كَمَا يَجِدُ الْكُسُوفَ أَهْلُ بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".