قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].
إن حادثة الإسراء والمعراج من أهمِّ أحداث السيرة النبوية، وهي آية من آيات النبوَّة، كانت فتنةً للمؤمنين، ومواساةً وتَسْرية للنبيِّ ﷺ فيما يُلاقيه من مِحَن وبلاءات عظيمة في هذه المرحلة.
وإن في هذه الرحلة المباركة دروسًا عظيمة تبدو جليةً في أحداثها، ويتجلَّى فيها مقام النبيِّ ﷺ السامي عند ربِّه، وغير ذلك من الأحداث والدروس؛ مثل: موقف قُريش والمؤمنين منها، وحكمة فرض الصلوات الخمس في السماء، ولماذا كان العروج من المسجد الأقصى؟
تعريف الإسراء والمعراج:
الإسراء: سَيْرُ الليل، وهو مَصْدَرٌ للفعل (أَسْرى)، ويُقال: أَسْراه، وأسرى به .
ويُقصَد بالإسراء هنا: رحلةُ النبيِّ ﷺ على البُراق ليلًا من المسجد الحرام بمكَّةَ المُكرَّمةِ إلى المسجِد الأقصى بالقُدس، ثم رجوعُه من ليلته.
أما المِعراجُ، فهو السُّلَّم. عَرَج في السُّلَّم: ارتقى، والعروج: الصُّعود .
ويُقصَد به هنا: ما أَعقبَ الإسراءَ من عُروج النبيِّ ﷺ من بيت المقدس إلى السموات العُلا، ثم الوصولِ إلى حَدٍّ تنقطع عنده علوم الخلائق من ملائكة وإنسٍ وجِنٍّ، ، ثم رجوعِه إلى بيت المقدس، وكان كلُّ ذلك في ليلة واحدة.
ثبوت الإسراء والمعراج:
الإسراء ثابت بالقرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة المتكاثرة، أما القرآن، ففي قوله تعالى: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].
وأما المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المتواترة التي رواها الثقات العدول، وقد خرّجها أصحاب كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير المشهورة، وكتب التفاسير المأثورة، وتلقَّتها الأمَّة بالقبول.
والمعراج وإن لم يثبت بالقرآن الكريم صراحةً، فإنه أُشير إليه في سورة النجم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى﴾ [النجم: 13- 18].
قال ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (6/ 165، 166): "وَكَذَلِكَ صُعُودُهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ إِلَى مَا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَهَذَا مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَأَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ، أَخْبَرَ بِمَسْرَاهُ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِصُعُودِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}﴾ [الإسراء: 1]، فَأَخْبَرَ هُنَا بِمَسْرَاهُ لَيْلًا بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ رَأَى سَائِرُ النَّاسِ مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لِيُرِيَهُ آيَاتٍ لَمْ يَرَهَا عُمُومُ النَّاسِ، كَمَا قَالَ فِي السُّورَةِ االْأُخْرَى:﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 12-18]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 60] قَالَ: (هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ)، فَكَانَ فِي إِخْبَارِهِ بِالْمَسْرَى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) بَيَانٌ أَنَّهُ رَأَى مِنْ آيَاتِهِ مَا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى: ﴿عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ [النجم: 15- 16]".
متى كانت رحلة الإسراء والمعراج؟
لا خلاف أن رحلة الإسراء والمعراج كانت بعد رجوع النبيِّ ﷺ من الطائف، والراجحُ أنها كانت في العام العاشر من بَعْثته ﷺ، ومن العلماء مَن ذَكَر أنها وقعت قبل الهجرة بعام أو عامينِ، أما تعيينُ تاريخ هذه الرحلة العظيمة باليوم والشهر ففيه خلافٌ، والمشهور بين الناس الآنَ أنها كانت ليلةَ السابع والعشرين من رَجَبٍ، والذي عليه أكثرُ العلماء أنها كانت في شهر ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر. ونلخِّص أشهر الأقوال في تاريخ هذه الرحلة المباركة كالتالي :
• ليلةَ السابع والعشرين من شهر رجب في السنة العاشرة من النُّبوَّة.
- في رمضانَ سنة (12) من النبوَّة.
- في المحرَّم سنة (13) من النبوَّة.
- في ربيع الأول سنة (13) من النبوَّة.