إن رحلة الإسراء والمعراج من أشهر المعجزات، وأظهر البراهين البيِّنات، وأقوى الحُجَج الْمُحْكَمات، وأصدق الأنباء، وأعظم الآيات، وأتمِّ الدلالات الدالَّة على تخصيصه ﷺ بعموم الكرامات.
لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج معجزةً خلَّدها القرآن الكريم في سورتين من سوره المباركة، هما سورتا الإسراء والنجم، فسمَّى سورةً من سور القرآن باسمها؛ تعظيمًا لها وتأكيدًا لما في هذه الرحلة المباركة من دروس وعبر وعظات لعباد الله المؤمنين.
معجزة الإسراء والمعراج آية من آيات النبوة:
إن رحلة الإسراء والمعراج معجزة وآية من آيات النُّبوَّة، وآياتُ الأنبياء ليس من شرطها استدلالُ النبيِّ بها، ولا تَحَدِّيه بالإتيان بمثلها؛ بل هي دليلٌ على نبوَّته، ونلاحظ أن النبيَّ ﷺ لم يتَّخِذ من الإسراء والمعراج معجزةً لتصديق رسالته، مع أن قومه كانوا يُلِحُّون في طلب الخوارق؛ قال تعالى على لسانهم: ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 93]، فبلَّغهم النبيُّ ﷺ ما حَدَث في رحلة الإسراء والمعراج من باب تبليغ الحقِّ، لا ليتحدَّاهم بها على صِدق رسالته؛ فإنه لم يُنقَل عنه ﷺ التحدِّي إلا في القرآن خاصَّةً، وما وقع للنبيِّ ﷺ من خوارقَ وآياتٍ – مثل: انشقاق القمر والإسراء والمعراج - لم تُتَّخَذ معجزةً مصدِّقةً للرسالة؛ إنما جُعِلت فتنةً للناس وابتلاءً لإيمانهم؛ قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 60]، ومن ثَمَّ كانت رؤيا الآيات التي أراها الله لنبيِّه ﷺ ليلة الإسراء والمعراج فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وابتلاءً لإيمانهم، وتمحيصًا، فيها عبرةٌ لأولي الألباب، وهدًى وثباتٌ لمن آمَن وصدَّق، وكان على يقين من أمر الله تعالى، فمِن أهل الإسلام من ثبت على إيمانه وازداد يقينًا، ومنهم من فُتن وانقلب على عَقِبيه وكفر بعد إسلامه.
لماذا كانت رحلة الإسراء والمعراج؟
لقد كانت رحلةُ الإسراء والمعراج مواساةً للنبىِّ ﷺ وتَسْريَةً لنفسه في وسط المحن والبلاءات التي يلاقيها، وإذهابًا للوحشة التى نالت قلب الرسول ﷺ بفَقْد حبيبينِ: زوجِه خديجةَ – رضي الله عنها – وعمِّه أبي طالب؛ فتجلَّى في هذه الرحلة العظيمة أن الله تعالى هو وحدَه الحبيبُ والحامي الأعظم.
فكانت رحلة الإسراء والمعراج تسليةً ومكافأة ربَّانية للنبيِّ ﷺ بعد أن عانى ألوانًا كثيرةً مِن المحن والبلاءات التي لاقاها من الكفار، خاصَّةً بعد موت زوجِه خديجةَ - رضي الله عنها - وعمِّه أبي طالب، وكان آخر هذه المعاناة ما أصاب النبيَّ ﷺ من أذى ثَقيف حين ذهب إليهم داعيًا إلى الله تعالى، وعودته من الطائف حاملًا جبالًا من الهموم؛ لفُجورهم في الصدِّ عن الدعوة، وقد كان يؤمِّل خيرًا وصلاحًا لانتشار دعوة التوحيد، وأن يجد لديهم المؤازرة والنُّصرة؛ إلا أنهم كانوا أشدَّ على الدعوة من أهل مكَّةَ، وأَسْوأَ وأجهل.
وفي خِضمِّ هذه المآسي والشدائد والأحزان المتتابعة، يُدرك الله تعالى برحمته ولُطفه نبيَّه المصطفى ﷺ فيُواسِيه ويُسَرِّي عن نفسه المهمومة، وفؤاده الجريح، برحلة عظيمة يرى فيها آياتِ الله الكبرى؛ حُبًّا وكرامة للنبيِّ ﷺ، هي رحلة الإسراء والمعراج.
ولا شكَّ أن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن رحلة كرامة وتسرية وتسلية لقلب النبيِّ ﷺ فقط؛ بل كان فيها أيضًا دروس وعبر وعظات جديرة بأن يتأملها المؤمن ليزداد إيمانًا، وكذلك يُدرك عظم آياتِ الكون الغيبية التي أخبرنا بها النبيُّ ﷺ.
