فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء والمعراج بالنبي ﷺ

فَرض الله تعالى الصلاة في السماء ليلة الإسراء والمعراج، وهي الفريضة الوحيدة التي فرضها الله تعالى في السماء مباشرة للنبيِّ ﷺ دون واسطة، ما يدلُّ على أهمّيتها وعِظمها وعُلوِّ شأنها في الإسلام.

كيفية الصَّلَاة قبل فرضها ليلة الإسراء والمعراج:

كان رسول الله ﷺ وأصحابه يصلُّون قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء والمعراج، وهناك خلاف في كيفيتها.

قَالَ ابن حجر في فتح الباري (9/ 675): "كَانَ رسُولُ اللَّه ﷺ قَبْلَ الإِسْرَاءِ يُصَلِّي قَطْعًا، وكَذَلِكَ أصْحَابهُ؛ ولَكِنِ اخْتُلِفَ: هَل افتُرِضَ قَبْلَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَوَاتِ أمْ لَا؟ فَيَصِحُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الفَرْضَ أوَّلًا كَانَ صَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وصَلَاةً قَبْلَ غُرُوبِهَا، والحُجَّةُ فِيهِ قَوْلُه تَعَالَى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: 130]".

وقال تَعَالَى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [غافر: 55].

قَالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِه (18/ 372): "هِيَ صَلاةٌ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ رَكْعَتَانِ غُدْوَةً، ورَكْعَتَانِ عَشِيَّةً، فيَكُونُ هذَا مِمَّا نُسِخَ، واللَّهُ أعْلَمُ".

وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق: 39].

قَالَ ابنُ كَثِير في تفسيره (7/ 409): "كَانَت الصَّلَاةُ المَفْرُوضَةُ قَبْلَ الإِسْرَاءِ ثِنْتيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ في وَقْتِ الفَجْرِ، وقَبْلَ الغُرُوبِ في وَقْتِ العَصْرِ، وقِيامُ اللَّيْلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وعَلَى أُمَّتِهِ حَوْلًا، ثُمَّ نُسِخَ في حَقِّ الأمَّةِ وُجُوُبهُ، ثمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءَ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ".

فرض الصلوات الخمس:

فرض الله تعالى الصلواتِ خمسين صلاةً في اليوم والليلة، ثم خفَّفها إلى خمس صلوات في اليوم والليلة؛ كما ورد في الحديث الطويل الذي رواه البخاريُّ ومسلم، قال النبيُّ ﷺ: «ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ، فَرَجَعْتُ، فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا، فَقَالَ مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِيَ إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرًا».

وفي الحديث رحمة الله وفضله على هذه الأمَّة، بأن خفَّف عنها وأعطاها ثواب الخمسين، وفيه كرامة النبيِّ ﷺ ومنزلته عند ربِّه، حيث إن الله تعالى يعلم منذ الأزل أن الصلوات خمس، ففي تخفيفها من الخمسين إظهار شرف نبيِّه ﷺ بقبول شفاعته في التخفيف، وفيه إظهار أهمية السؤال وتَكراره؛ فالله تعالى يحب أن يُسأل، وفيه إظهار فضل موسى - عليه السلام - وشفقته على أمة محمد ﷺ، وفيه بيان وَحْدة أهل الإيمان وولاء بعضهم لبعض.

أهمية الصلاة في الإسلام:

مما يدلُّ على أهمية الصلاة وقدرها أنها لم تُفرَض بطريق الوحي المعهود؛ حيث فُرضت ليلةَ الإسراء والمعراج، وهي الفريضة الوحيدة التي فُرضت في السماء، وتتجلَّى أهميتها فيما يلي:

  •  الصَّلاةُ هِيَ الرُّكنُ الثاني من أركانِ الإسلامِ الخمسة التي بُنِيَ الإسلامُ عَلَيها؛ فعن عبد الله بن عمرَ قال: قال رسول الله ﷺ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»([1] ).
  •  أَمَرَ اللهُ تعالى بالمحافَظَة عليها؛ فقال: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين﴾ [البقرة: 238]، وأمر بإقامتها؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة﴾ [الأنعام: 72].
  •  حذَّر الله تعالى مِن أن إضاعتَها تَسْتَوْجِبُ عذاب الجحيم؛ فقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر: 38 - 43].
  •  وَصفَها النبيُّ ﷺ بالنور في قَولهِ: «وَالصَّلَاةُ نُورٌ»([2] ).
  •  الصلاة هي أعظمُ عِبادةٍ بَدَنيَّة، وهيَ أَحَبُّ الأَعمالِ إلى الله تعالى؛ فَعَنْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلى وقْتِهَا»( [3]).
  •  لا يَقُومُ الدِّينُ إلَّا بأَدَاء الصلاة؛ فهي عَمُودُ الإسلام؛ كما قال النبيُّ ﷺ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»( [4]). فالصلاةُ من الإسلام بمنزلةِ العَمود الذي يقوم عليه، والخَيْمةُ تَسقُطُ بسقوط عَمُودِها؛ فهكذا يَذهَب الإسلام بذَهَاب الصلاة.
  •  عن جَابِر بن عبد الله قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»( [5]). وعن بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»( [6]).
  •  اختُلف في تكفير تارك الصّلاة الفرض عَمْدًا. قال عمرُ رضي اللّه عنه: لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصَّلاة. وقال ابنُ مسعود: ترَكْهُا كفر، وقال عبد اللّه بن شقيق: كان أصحاب محمَّدٍ - عليه الصّلاة والسّلام - لا يَرَون شيئًا من الأعمال تَرْكُه كفرٌ غيرَ الصّلاة"( [7]).
  •  الصلاةُ تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
  •  الصلاة أوَّلُ ما يُحاسَبُ عليه الإنسانُ يومَ القيامة؛ فقد قال ﷺ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ»( [8]).
  •  عن عبد الله بن عمرِو بنِ العاص، عن النبيِّ ﷺ: أنه ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلاَ بُرْهَانٌ، وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ»([9] ).

[1] رواه البخاريُّ (8)، ومسلم (16).

[2] رواه مسلم (223).

[3] رواه البخاريُّ (527)، ومسلم (85).

[4] رواه أحمد (22366)، والنسائيُّ (11330)، والترمذيُّ (2616) وقال: حديث حسن صحيح، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2866)

[5] رواه مسلم (82).

[6] رواه أحمد (23325)، والنسائيُّ (463)، وابن ماجه (1079)، والترمذيُّ (2621)، وقال: حديث حسن صحيح، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (564).

[7] "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (2/ 510).

[8] رواه الطبرانيُّ (1859)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (376).

[9] رواه أحمد (6576)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

للاستزادة


  1. فتح الباري لابن حجر (7/ 619).
  2. اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (1/500).

اخترنا لكم


دلائل النبوة صفات النبيِّ ﷺ الخَلْقية والخاتم بين كتفيه
صفات النبيِّ ﷺ الخَلْقية والخاتم بين كتفيه

حبا الله تعالى رسوله المرتضى، ونبيَّه المجتبى، وحبيبه المصطفى ﷺ بصفاتٍ عظيمة جليلة، سواء أكانت صفاتٍ خُلُقيةً ظهرت على سلوكه القويم، أم صفاتٍ خَلْقيةً (...)

دلائل النبوة ما سُمع من الجنّ والكهّان بالإخبار عن نبوّته ﷺ
ما سُمع من الجنّ والكهّان بالإخبار عن نبوّته ﷺ

لقد مهَّد الله تعالى لبعثة نبيِّه ﷺ بإرهاصات وعلامات منذ ولادته، ولَمَّا كان قُبيل بعثته ﷺ ترادفت عليه علامات نبوَّته وتكاثرت، وحدَّث بها الكهَّان بم (...)

دلائل النبوة وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى

كان النبيُّ ﷺ لسانه الشريف لا ينطق إلا بالحقِّ؛ فَلَمْ يَكُنْ ﷺ يَنْطِقُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ؛ بَلْ إِنَّمَا كَانَ نُطْقُهُ بِالْوَحْيِ؛ كَمَا قَال (...)

دلائل النبوة وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ

لقد خلق الله تعالى الإنسان وأوكله إلى نفسه، فيعتريه النقصُ دائمًا، ولا يمكن أن يبلغ درجة الكمال البشريِّ في الأفعال والأخلاق، إلا النبيَّ محمدًا ﷺ دون (...)