شجاعته ﷺ

كان النبي ﷺ شجاعًا مقدامًا، في السِّلم والحرب، في الدعوة والقتال، وفي الشدائد، حتى إن الصحابة - رضي الله عنهم – كانوا إذا حَمِي الوطيس واشتدَّ البأس يحتمون برسول الله ﷺ، وقد حمل النبي ﷺ عبء الجهاد، ودخول الميدان بنفسه من غير ضنٍّ بها، وكان أصبرَ أصحابه فى الجهاد، فما فرَّ قطُّ من صفوف القتال، ولو تولَّى عنه كل من حوله.

عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ ﷺ أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ النَّاسِ، ولقد فَزِع أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ، فانطلق النَّاسُ قِبَلَ الصَّوتِ، فاستقبَلَهم النَّبيُّ ﷺ قد سَبَق النَّاسَ إلى الصَّوتِ، وهو يقولُ: ((لن تُراعُوا، لن تُراعُوا)) وهو على فَرَسٍ لأبي طَلحةَ عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ، في عُنُقِه سَيفٌ، فقال: لقد وجَدْتُه بحرًا - بحرًا: أي: واسعَ الجَريِ - أو إنَّه لبَحرٌ)) أخرجه البخاري (6033) ومسلم (2307).

شجاعته ﷺ في الدعوة إلى الله:

لم يَثنِه ﷺ أذى قُريش عن دعوته؛ بل استمرَّ في تبليغ رسالة ربِّه بكلِّ عزيمة وإصرار، كان يذهب إلى أماكن تجمُّعهم، ويدعوهم إلى الإسلام، رغم ما كان يتعرَّض له من استهزاء وسخرية.

سأل عُرْوَةُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ، فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ.

فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ، غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ، فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا.

فَقَالَ: تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ.

فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا.

فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ.

فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عليهم رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ.

فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ.

فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دُونَهُ، يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}؟

ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ. رواه أحمد وأبو نعيم في دلائل النبوة.

شجاعته ﷺ في ميدان القتال:

كُتب القتال على النبي ﷺ ومن معه، وهو كُره لهم؛ لأن الدعوة الإسلامية لابد أن تأخذ طريقها، وأن تردَّ الاعتداء حتى يكون الدين لله، وتستقيم القلوب، ولا تكون الفتنة، والإكراه على ترك الهداية، والوقوع فى الغواية، بعد أن منَّ الله تعالى عليهم بالحقِّ والإيمان، وما كان أهل الإيمان ليستكينوا ويَهِنوا عن نُصرته.

وما كان النبي ﷺ القائد الذى يحارب بغيره، فيوجِّه إلى الميدان، ولا يتوجَّه هو إليه؛ بل كان يتَّجه هو إليه ليكون القدوة الحسنة فى كل أمر يدعو إليه، لا يضن بنفسه، ولا يستأثر بالراحة، ويترك غيره يعمل، بل يكون فى أول العاملين المتقين.

قال القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/ 235): "وقد حَضَرَ الْمَوَاقِفَ الصَّعْبَةَ، وَفَرَّ الْكُمَاةُ وَالْأَبْطَالُ عَنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ لَا يَبْرَحُ، وَمُقْبِلٌ لَا يُدْبِرُ وَلَا يَتَزَحْزَحُ، وَمَا شُجَاعٌ إِلَّا وَقَدْ أُحْصِيَتْ لَهُ فَرَّةٌ، وَحُفِظَتْ عَنْهُ جَوْلَةُ، سواه".

عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: "لقد رأيتُنا يومَ بدرٍ ونحن نلوذُ برسولِ اللهِ ﷺ، وهو أقرَبُنا إلى العَدُوِّ، وكان من أشَدِّ النَّاسِ يومَئذٍ بأسًا" أخرجه أحمد وابن أبي شيبة.

وعن أبي إسحاقَ قال: جاء رجلٌ إلى البراءِ، فقال: أكنتُم ولَّيتم يومَ حُنَينٍ يا أبا عُمارةَ؟! فقال: أشهَدُ على نبيِّ اللهِ ﷺ ما ولَّى، ولكِنَّه انطلق أخِفَّاءُ من النَّاسِ، وحُسَّرٌ إلى هذا الحيِّ من هوازِنَ، وهم قومٌ رماةٌ، فرمَوهم برَشقٍ من نَبلٍ كأنَّها رِجْلٌ – رِجلٌ؛ أي: جماعةٌ - من جرادٍ، فانكشفوا، فأقبل القومُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ يقودُ به بغلتَه، فنزل ودعا واستنصر، وهو يقولُ: ((أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطَّلِب، اللَّهُمَّ نَزِّل نَصْرَك))، قال البراءُ: كنَّا واللهِ إذا احمرَّ البأسُ نتَّقي به، وإنَّ الشُّجاعَ منَّا للَّذي يحاذي به، يعني النَّبيَّ ﷺ أخرجه مسلم.


للاستزادة


  1. فتح الباري لابن حجر (7/ 428)
  2. الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/ 235).

اخترنا لكم


الشجاعة النبي ﷺ يعلمنا الشجاعة
النبي ﷺ يعلمنا الشجاعة

لقد كان النبي ﷺ الأُسوةَ الحسنة، وبه يُضرَب المثل في الشجاعة؛ عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ ﷺ أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ (...)