لقد أرسى النبي ﷺ مبدأ المساواة بين البشر، وقرَّر أن ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى والعمل الصالح فقط، لا اللون ولا القوم ولا الجنس، فلا يوجد تمييز عنصري في الإسلام؛ بل الناس متساوون من أصل الخلق.
تكريم الإنسان في دين الإسلام:
لقد كرَّم الله تعالى الإنسان؛ قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
قال ابن كثير في تفسيره (5/ 97): "يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَشْرِيفِهِ لِبَنِي آدَمَ، وَتَكْرِيمِهِ إِيَّاهُمْ، فِي خَلْقِهِ لَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ وَأَكْمَلِهَا؛ كَمَا قَالَ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التِّينِ: 4]؛ أَيْ: يَمْشِي قَائِمًا مُنْتَصِبًا عَلَى رِجْلَيْهِ، وَيَأْكُلُ بِيَدَيْهِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وَيَأْكُلُ بِفَمِهِ، وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَفُؤَادًا، يَفْقَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، وَيَعْرِفُ مَنَافِعَهَا وَخَوَاصَّهَا وَمَضَارَّهَا فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ... {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا}؛ أَيْ: مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ".
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 34].
قال السعديُّ في تفسيره (ص: 128): "يخبر تعالى باختيار من اختاره من أوليائه وأصفيائه وأحبابه، فأخبر أنه اصطفى آدم؛ أي: اختاره على سائر المخلوقات، فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وأسكنه جنته، وأعطاه من العلم والحِلم والفضل ما فاق به سائر المخلوقات؛ ولهذا فضَّل بَنيه؛ فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}".
وقال أيضًا (ص: 463): "وهذا من كرمه عليهم، وإحسانه الذي لا يُقادر قدره، حيث كرَّم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرَّمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنِّعم الظاهرة والباطنة...{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} بما خصَّهم به من المناقب، وفضَّلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات".
جميع البشر متساوون في دين الإسلام:
إن جنس البشر منحدر من أصل واحد من ذكر وأنثى، فهم متساوون في أصل خلقتهم؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
قال السعدي في تفسيره (ص: 802): "يخبر تعالى أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحوَّاء؛ ولكن الله تعالى بثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، وفرَّقهم، وجعلهم شعوبًا وقبائل؛ أي: قبائل صغارًا وكبارًا؛ وذلك لأجل أن يتعارفوا، فإنهم لو استقلَّ كلُّ واحد منهم بنفسه، لم يحصل بذلك التعارفُ الذي يترتَّب عليه التناصر، والتعاون، والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب؛ ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقَّف على التعارف، ولحوق الأنساب؛ ولكن الكرم بالتقوى، فأكرمُهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابةً وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا؛ ولكن الله تعالى عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله، ظاهرًا وباطنًا، ممن يقوم بذلك، ظاهرًا لا باطنًا، فيجازي كلًّا بما يستحقُّ".
رسالة النبي ﷺ أنه لا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى:
لقد كانت بعثة النبي ﷺ ورسالته التي جاء بها رحمةً للإنسانية، فقد قرَّر النبيُّ ﷺ المساواة بين البشر، ودعا إليها؛ فالناس رجلان أو صنفان: مؤمن تقيٌّ وفاجر شقيٌّ، فالمؤمن التقيُّ هو الخيِّر الفاضل، وإن لم يكن حسيبًا في قومه، والفاجر الشقيُّ هو الدنيء، وإن كان في أهله شريفًا رفيعًا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني. (عُبِّيَّة الجاهلية): الكِبْر والنخوة. (الجِعْلان): جمع جُعَل، دُوَيبة سوداء تُدير الأوساخ بأنفها.
قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح (7/ 3073): "وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ﷺ شَبَّهَ الْمُفْتَخِرِينَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْجُعَلِ، وَآبَاءَهُمُ الْمُفْتَخَرَ بِهِمْ بِالْعَذِرَةِ، وَنَفْسَ افْتِخَارِهِمْ بِهِمْ بِالدَّهْدَهَةِ بِالْأَنْفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَاقِعٌ الْبَتَّةَ، إِمَّا الِانْتِهَاءُ عَنِ الِافْتِخَارِ، أَوْ كَوْنُهُمْ أَذَلَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْجُعَلِ الْمَوْصُوفِ".
وقد قال ﷺ في خُطبته فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ. رواه أحمد.