النبي ﷺ يعلمنا جزاء الأمانة

إن المسلم مأمور بأداء الأمانة والتَّحَلِّي بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة؛ فمَنْ عمل بذلك جُوزي بالجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة، ومن ترك الخيانة والغدر لله سبحانه بصدق وإخلاص، عَوَّضَه الله على ذلك خيرًا كثيرًا. لذا؛ لا بد من التواصي بين المسلمين بحِفْظ أمانات الدِّين وتبليغه للناس، وحفظ أمانة الأموال، والوفاء في الديون والحقوق، وترك مجالس الغِيبة والنميمة، وكتمان أسرار المجالس، والتواصي بغَضِّ البصر عن الصور المحرَّمة، والمناظر الفاتنة.

وجوب أداء الأمانات:

قال الله تعالى: ﴿{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}﴾ [النساء: 58].

قال القرطبي في تفسيره (5/ 255): "هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَحْكَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ الدِّينِ وَالشَّرْعِ".

وقال أيضًا في تفسيره (5/ 256): "وَالْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ النَّاسِ، فَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْوُلَاةَ فِيمَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمَانَاتِ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ وَرَدِّ الظُّلَامَاتِ، وَالْعَدْلِ فِي الْحُكُومَاتِ... وَتَتَنَاوَلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ، وَالتَّحَرُّزِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ كَالرَّجُلِ يَحْكُمُ فِي نَازِلَةٍ مَا وَنَحْوَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى".

 وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يكفر الذنوب كلها - أو قال: كل شيء - إِلَّا الْأَمَانَةَ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ). ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي الْحِلْيَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ ابن كعب قالوا: الأمانة في كل شيء، فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْجَنَابَةِ وَالصَّوْمِ وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْوَدَائِعِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُرَخِّصِ اللَّهُ لِمُعْسِرٍ وَلَا لِمُوسِرٍ أَنْ يُمْسِكَ الْأَمَانَةَ. قُلْتُ: وَهَذَا إِجْمَاعٌ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَمَانَاتِ مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا الْأَبْرَارِ مِنْهُمْ وَالْفُجَّارِ".

جزاء الأمانة يوم القيامة:

إن الأمين - بلا ريب - سيجد أثر هذا الخلُق النبيل في الآخرة؛ روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((يَجْمَعُ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ...))، وفي الحديث: ((وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا)).

وخصَّ الأمانة والرحم بالذكر؛ لعظم أمرهما، وكِبَر موقعهما؛ حيث يصورهما الله على الصفة التي يريدها - سبحانه وتعالى - فتقومان تطالبان بحقِّهما كلَّ من يريد الجَواز على الصراط.

قال النووي في شرح مسلم (3/ 72): "وَأَمَّا إِرْسَالُ الْأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ، فَهُوَ لِعِظَمِ أَمْرِهِمَا، وَكِبَرِ مَوْقِعِهِمَا، فَتُصَوَّرَانِ مُشَخَّصَتَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ: فِي الْكَلَامِ اخْتِصَارٌ، وَالسَّامِعُ فَهِمَ أَنَّهُمَا تَقُومَانِ لِتُطَالِبَا كُلَّ مَنْ يُرِيدُ الْجَوَازَ بِحَقِّهِمَا".

وقال الطِّيبيُّ في شرح المشكاة (11/ 3524): "والمعنى: أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما، وفخامة أمرهما، يتمثَّلان هناك للأمين والخائن، والواصل والقاطع، فيُحاجَّان عن الْمُحِقِّ الذي رعاهما، ويشهدان على الْمُبطِل الذي أضاعهما؛ ليتميَّز كلٌّ منهما، وقيل: يُرسَل من الملائكة من يُحاجُّ لهما وعنهما، وفي الحديث حثٌّ على رعاية حقِّهما، والاهتمام بأمرهما".

روى الإمام مالك في الموطأ (5/ 1440) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِلُقْمَانَ: مَا بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى؟ يُرِيدُونَ الْفَضْلَ. فَقَالَ لُقْمَانُ: "صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكُ مَا لا يَعْنِينِي".

الحرص على الأمانة رجاء ثوابها:

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الغُلاَمَ الجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا». (عقارا): هو الأرض وما يتصل بها من مال، وقيل: المنزل والضياع. (أبتع) أشتر. (غلام) ولد ذكر. (جارية) ولد أنثى.

وأخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا".

جزاء خيانة الأمانة:

روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ)).

وروى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ».

روى البخاري ومسلم عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ». (يسترعيه رعية): يستحفظه عليها. (لم يحطها): لم يتعهد أمرها ويحفظها. (لم يجد رائحة الجنة) لم يشم رائحتها، وهو كناية عن عدم دخولها إن استحلَّ ذلك أو تأخَّر دخوله إن اعتقد حرمة فعله.

قال بدر الدين العيني في عمدة القاري (24/ 228): "قَوْله: (استرعاه)؛ أَي: استحفظه. قَوْله: (فَلم يَحُطْهَا): من الحياطة، وَهِي الْحِفْظ والتعهُّد؛ أَي: لم يحفظها وَلم يتعهَّد أمرهَا. قَوْله: (إلاَّ لم يجد رَائِحَة الْجنَّة)، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إلَّا حرَّم الله عَلَيْهِ الْجنَّة)، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُغفل: (وَعَرْفُهَا يُوجد يَوْم الْقِيَامَة من مسيرَة سبعين عَامًا)".

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِىُّ اللَّهِ ﷺ إِلاَّ قَالَ: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ» رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني.

جزاء من لم يقم بأمانة مسؤوليته:

روى البخاري ومسلم عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ». (يسترعيه رعية): يستحفظه عليها. (لم يحطها): لم يتعهد أمرها ويحفظها. (لم يجد رائحة الجنة) لم يشم رائحتها، وهو كناية عن عدم دخولها إن استحلَّ ذلك أو تأخَّر دخوله إن اعتقد حرمة فعله.

قال بدر الدين العيني في عمدة القاري (24/ 228): "قَوْله: (استرعاه)؛ أَي: استحفظه. قَوْله: (فَلم يَحُطْهَا): من الحياطة، وَهِي الْحِفْظ والتعهُّد؛ أَي: لم يحفظها وَلم يتعهَّد أمرهَا. قَوْله: (إلاَّ لم يجد رَائِحَة الْجنَّة)، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إلَّا حرَّم الله عَلَيْهِ الْجنَّة)، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُغفل: (وَعَرْفُهَا يُوجد يَوْم الْقِيَامَة من مسيرَة سبعين عَامًا)".

وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ الَّذِي يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي - مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ - أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». (كاملا موفَّرًا): تامًّا لا يَنقُص منه شيئًا، وأن يُعطيَه لمن أُمِر بدفعه إليه. (طيبة به نفسه): راضٍ بذلك غير حاسد لمن أعطاه إياه. (أحد المتصدقين): له مثل أجر المتصدِّق.

قال ابن حجر في فتح الباري (3/ 304): "وَلَهُ مِثْلُهُ؛ أَيْ: مِثْلُ أَجْرِهَا، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ؛ أَيْ: بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَسَاوِيَهُمْ فِي الْأَجْرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ حُصُولَ الْأَجْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ أَجْرُ الْكَاسِبِ أَوْفَرَ؛ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ بِقَوْلِهِ: (فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ) يُشْعِرُ بِالتَّسَاوِي، وَقَدْ سَبَقَ قَبْلُ بِسِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ أَيْضًا، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: (لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ)، وَالْمُرَادُ عَدَمُ الْمُسَاهَمَةِ وَالْمُزَاحَمَةِ فِي الْأَجْرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مُسَاوَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الْأَمَانَةِ، وَسَخَاوَةُ النَّفْسِ، وَطِيبُ النَّفْسِ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْر".

جزاء الأمانة في الدنيا:

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا، أَتْلَفَهُ اللَّهُ».


للاستزادة


  1. تفسير الرازي (10/ 109).
  2. عمدة القاري (24/ 228).

اخترنا لكم


الأمانة أمانته ﷺ
أمانته ﷺ

كان النبيُّ ﷺ الأسوةَ الحسنة، وكان مثالًا يُحتذى به في الأمانة، وهي صفة من أعظم الصفات التي اتَّصف بها الأنبياء والرسل - عليهم السلام - وقد تجلَّت أما (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا خلق الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا خلق الأمانة

قال الله تعالى: ﴿{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً (...)

الأمانة النبي ﷺ يخبر عن رفع الأمانة
النبي ﷺ يخبر عن رفع الأمانة

الأمانة ضِدُّ الْخِيَانَةِ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِهَا إِذْهَابُهَا بِحَيْثُ يَكُونُ الْأَمِينُ مَعْدُومًا أَوْ شِبْهَ الْمَعْدُومِ، وفي آخر الزمان، تتغ (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا صورًا من الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا صورًا من الأمانة

الأمانة لغة: الوفاء، والأمانة ضد الخيانة. والأمانة في الشرع لها معنيان: معنى عامٌّ وآخر خاصٌّ.والواجب في الأمانات العامة والخاصة أن تُحفَظ وتؤدَّى على (...)