النبي ﷺ يحذر من خيانة الأمانة

الأمانة تعني الوفاء، والأمانة ضد الخيانة، وحفظ الأمانة يوجب سعادة الدارين، والخيانة توجب الشقاء فيهما، وقد أمر النبي ﷺ بحفظ الأمانة ونهى عن الخيانة، وجاءت النصوص الشرعية في التحذير من الخيانة، وبيان عواقبها، مع التنبيه على صور سيِّئة للخيانة يقع فيها الكثير من الناس جهلًا أو تَجاهلًا؛ كإفشاء الأسرار، وفضح حرمة المجالس والبيوت، والتفريط في أداء الواجبات.

قال الله تعالى: ﴿{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}﴾ [الأنفال: 27].

تحذير الله ورسوله ﷺ من خيانة الأمانة:

إن الواجب في الأمانات العامة والخاصة أن تُحفَظ وتؤدَّى على الوجه المطلوب شرعًا، ويَحرُم إضاعتها وخيانتها؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]، وقال الله تعالى: ﴿{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}﴾ [النساء: 58]، وقال الله تعالى: ﴿{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}﴾ [الأنفال: 58].

والخيانة طريق من طرق النار؛ قال الله تعالى عن امرأتي نوح ولوط: ﴿{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين} ﴾ [التحريم: 10].

وروى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ)).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِىُّ اللَّهِ ﷺ إِلاَّ قَالَ: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ» رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ - أَوْ قَالَ: يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا - إِلَّا الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ، فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدَ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟! فَيُقَالُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا فَيَحْمِلُهَا، فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَصْعَدُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ، ذَلَّتْ فَهَوَتْ، وَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ، قَالَ: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ». رواه أحمد والبيهقي موقوفًا، ورواه بمعناه هو وغيره مرفوعًا، وحسَّنه الألباني.

خيانة الأمانة علامة من علامات النفاق:

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».

وروى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

قال النووي في شرح مسلم (2/ 47): "اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ، فَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ -: أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ، وَصَاحِبهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ، لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ، وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ نِفَاقَ الْكُفَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَقَوْلُهُ ﷺ: ((كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا)) مَعْنَاهُ: شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ".

تضييع الأمانة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ))، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: ((إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)) رواه البخاري.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ))، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَة، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)) رواه مسلم.

قال ابن حجر في فتح الباري (11/ 334): "مَعْنَى (أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ) أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَدِ ائْتَمَنَهُمُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّصِيحَةَ لَهُمْ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ تَوْلِيَةُ أَهْلِ الدِّينِ، فَإِذَا قَلَّدُوا غَيْرَ أَهْلِ الدِّينِ، فَقَدْ ضَيَّعُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي قَلَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا".

تعوُّذ النبي ﷺ من الخيانة:

لقد تعوَّذ النبي ﷺ من الخيانة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وحسَّنه الألباني.


للاستزادة


  1. شرح النووي على مسلم (2/ 47).
  2. فتح الباري لابن حجر (11/ 334).

اخترنا لكم


الأمانة النبي ﷺ يعلمنا أن الكلمة أمانة
النبي ﷺ يعلمنا أن الكلمة أمانة

إن من الأمانة أن يلتزم المسلم بالكلمة الطيِّبة الحسنة والجادَّة، فيَعرِف قدر الكلمة وأهميتها؛ فالكلمة أمانة، وقد تُدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التق (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا صورًا من الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا صورًا من الأمانة

الأمانة لغة: الوفاء، والأمانة ضد الخيانة. والأمانة في الشرع لها معنيان: معنى عامٌّ وآخر خاصٌّ.والواجب في الأمانات العامة والخاصة أن تُحفَظ وتؤدَّى على (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا جزاء الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا جزاء الأمانة

إن المسلم مأمور بأداء الأمانة والتَّحَلِّي بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة؛ فمَنْ عمل بذلك جُوزي بالجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة، ومن ترك الخيانة وال (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا فضل الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا فضل الأمانة

إن الأمانة من أبرز أخلاق الرسل – عليهم السلام- فنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشُعيب، أخبرنا الله تعالى في سورة الشعراء أن كل رسول منهم قد قال لقومه: ﴿إِنِ (...)