إن من الأمانة أن يلتزم المسلم بالكلمة الطيِّبة الحسنة والجادَّة، فيَعرِف قدر الكلمة وأهميتها؛ فالكلمة أمانة، وقد تُدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التقوى؛ قال تعالى: ﴿{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}﴾ [إبراهيم: 26].
وقد دعانا الله تعالى إلى الطيِّب والحسن من القول، فقال تعالى: ﴿{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}﴾ [الحج: 24].
وقال تعالى: ﴿{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}﴾ [البقرة: 83].
وقال تعالى: ﴿{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} ﴾ [الإسراء: 53].
فالكلم الحسن الطيب هو الذي يصعد إلى الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ}﴾ [فاطر: 10].
خطورة الكلمة:
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». (من رضوان الله): مما يُرضي الله تعالى. (لا يلقي لها بالًا): لا يُبالي بها، ولا يلتفت إلى معناها خاطره، ولا يعتد بها، ولا يعيها بقلبه. (سخط الله): مما يغضبه ولا يرضاه. (يهوي بها): يسقط بسببها.
قال ابن حجر في فتح الباري (11/ 311): "قَوْلُهُ: (لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا)؛ أَيْ: لَا يَتَأَمَّلُهَا بِخَاطِرِهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي عَاقِبَتِهَا، وَلَا يَظُنُّ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا، وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}﴾ ".
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ». (ما يتبين فيها): لا يتدبَّرها ولا يتفكَّر في قُبحها وما يترتَّب عليها. (يزل بها): ينزلق بسببها ويَقرُب من دخول النار. (أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ): كناية عن عِظمها ووُسعها.
الكلام الخير أو الصمت:
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ».
وروى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ».
الكلمة أمانة:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ)) رواه أبوداود والترمذي وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألباني.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ ﷺ فِى سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ، قَالَ: « لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ»، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}﴾ حَتَّى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ»، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَأْسُ الأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟»، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِى النَّارِ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» أخرجه أحمد وابن ماجه والتِّرمِذي وصححه الألباني.
الأمانة في حفظ الأسرار:
إن المسلم يحفظ السِّرَّ المؤتمن عليه ولا يُفشيه، ولا يخون صاحبه؛ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)) رواه مسلم.