خُلق رسول الله ﷺ

قال الله تعالى للنبيِّ ﷺ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، فوصفه الله تعالى وخصَّه بما أعطاه من عظيم الأخلاق ما يدلُّ على عظمته ﷺ ويدلُّ أيضًا على عظمة الله تعالى، وعظمةِ رسالة الإسلام التي أرسل بها رسوله ﷺ، وفيه تأكيد من الله تعالى على مكارم النبيِّ ﷺ وأخلاقه العظيمة وكماله البشريِّ.

حتى إن النبيَّ ﷺ قد جعل الغاية من بعثه للناس أن يتمِّم مكارم الأخلاق؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق» .

كمال خُلق النبي ﷺ:

كان النبيُّ ﷺ أحسن الخَلق أخلاقًا، وكان ﷺ يدعو ربَّه أن يهديَه إلى حُسن الخُلق؛ روى مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «... وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ».

وقد خاطبه ربُّه تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

وقالت عائشةُ – رضي الله عنها - لَمَّا سُئلت عن خُلق النبيِّ ﷺ: "كانَ خُلُقُه الْقُرْآنَ" رواه مسلم.

وروى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟".

وروى البخاري ومسلم أيضًا عن أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ".

أمثلة من أخلاق النبيِّ ﷺ:

لقد كان النبي ﷺ يمتاز بسُموِّ خلق لا يحيط بوصفه البيان، فأسر القلوب، وشهد بحُسن خلقه وصدقه وأمانته ألدُّ أعدائه، فكان ﷺ قدوةً حسنة للبشرية جمعاءَ، حتى وصفه الله تعالى بأنه على خلق عظيم، حيث حاز من الأخلاق أكملها، ومن الصفات أسماها، ومن الأمثلة على كمال خُلقه ﷺ.

قال تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ:128].

كان النبيُّ ﷺ يُلقَّب بالصادق الأمين قبل بعثته، وهذا يدلُّ على طبعه بالصدق والأمانة منذ نشأته، لا أنه كان تاليًا للرسالة والنبوَّة.

وكان النبيُّ ﷺ أرحمَ الناس بجميع الخلق، سواء كانوا مسلمين أم كفَّارًا، وخاصَّةً الضعفاءَ والمساكين والأيتام.

روى البخاريُّ ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».

وروى البخاريُّ ومسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا".

وروى مسلم عن أَنَسٍ – رضي الله عنه - قَالَ: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ".

وروى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ؛ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». فلم يوبِّخ النَّبِيُّ ﷺ هذا الأعرابي الذي بال في المسجد، وأمرهم أن يتركوه يكمل بولته، ثم أعلمه أن المساجد لا تصلح لما فعل؛ إنما هي للصلاة، والذكر، وقراءة القرآن.

ويقول البراء بن مالك: "كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ..." رواه البخاريُّ ومسلم.

وكان يجبر قلوب الناس والضعفاء ويسعى في حاجتهم؛ قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ" رواه النسائيُّ، وصحَّحه الألبانيُّ.

وأَتَاه رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ - كِنَايَة عَنْ الْفَزَع، فالْفَرَائِص: جَمْع فَرِيصَة، وَهِيَ لَحْمَة تَرْتَعِد عِنْد الْفَزَع - فَقَالَ لَهُ: ((هَوِّنْ عَلَيْكَ؛ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ؛ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ)) والْقَدِيد: اللَّحْم الْمُمَلَّح الْمُجَفَّف فِي الشَّمْس. رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألبانيُّ.

وسُئلت عائشة – رضي الله عنها -: ما كان ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله – أي: في خدمتهم - فإذا حضرت الصلاةُ، خَرَج إلى الصلاة"، وفي رواية لأحمد: "كان بشَرًا من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلِب شاته، ويَخْدُمُ نفسَه" رواه البخاريُّ وأحمد.

وكان ﷺ أرحمَ البشر بالأطفال؛ يقول أنس بن مالك: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" رواه مسلم.

وقال ابنُ عباس - رضي الله عنه -: " كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسُه القرآن، فلرسولُ الله ﷺ أجودُ بالخير من الريح المرسَلة" رواه البخاريُّ ومسلم.

وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَا عِنْدِي شَيْءٌ؛ وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ))، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَعْطَيْتَهُ فَمَّا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعُرِفَ فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: ((بِهَذَا أُمِرْتُ)) رواه الطبريُّ في تهذيب الآثار، والترمذيُّ في الشمائل، والبزَّار في مسنده.

وأخلاقه ﷺ لا يحيط بها الوصف، وهذا نزر يسير، وسنخوض في بحار شمائله وأخلاقه ﷺ كثيرًا، ويكفي أن قال الله تعالى له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

للاستزادة


  1. الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (1/ 206).
  2. الشمائل الشريفة للسيوطي (ص: 25).

اخترنا لكم


شمائل الرسول ﷺ بعث النبي ﷺ ليتمم مكارم الأخلاق
بعث النبي ﷺ ليتمم مكارم الأخلاق

إن الأخلاق لها شأن عظيم في الإسلام، وصاحب الرسالة ﷺ الأسوة الحسنة قد شَهِد له ربُّه تعالى في كتابه قائلًا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: (...)