الرِّفادة لغةً:
(رَفَدَ) الرَّاءُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ مُطَّرِدٌ مُنْقَاسٌ، وَهُوَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُظَاهَرَةُ بِالْعَطَاءِ وَغَيْرِهِ. فَالرَّفْدُ مَصْدَرُ رَفَدَهُ يَرْفِدُهُ، إِذَا أَعْطَاهُ، ورَفَده: أعانه، وَالِاسْمُ الرِّفْدُ. وَالْإِرْفَادُ أَيْضًا: الْإِعْطَاءُ وَالْإِعَانَةُ، والمرافَدة: المُعاونة. والتَّرافد: التَّعَاوُنُ. والاستِرفاد: الِاسْتِعَانَةُ. وَالِارْتِفَادُ: الْكَسْبُ. والتَّرفيدُ: التَّسويدُ. يُقَالُ: رُفِّدَ فُلَانٌ؛ أَي: سُوِّدَ وَعُظِّمَ. ورَفَّد القومُ فُلَانًا: سَوَّدوه ومَلَّكوه أَمرهم. والرِّفادة: دِعامة السَّرْجِ وَالرَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا، والرِّفَادة أَيضًا: خِرْقةٌ يُرْفَدُ بهَا الجُرْحُ وغيرُه. وَيُقَالُ: ارْتَفَدْتَ مِنْ فُلَانٍ: أَصَبْتُ مِنْ كَسْبِهِ. وَأُرْفِدْتُ الْمَالَ: اكْتَسَبْتَهُ. وَالرَّافِدُ: الْمُعَيَّنُ، وَالْمُرْفِدُ أَيْضًا. والرَّافِدُ: هُوَ الَّذِي يَلِي المَلِك وَيَقُومُ مَقَامَهُ إِذا غَابَ. وَالرَّافِدَانِ: دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ. وَتَرَافَدُوا، إِذَا تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ، والرِّفادة: شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيش تَتَرَافَدُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فيُخْرج كُلُّ إِنسان مَالًا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، فَيَجْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَالًا عَظِيمًا أَيام الْمَوْسِمِ، فَيَشْتَرُونَ بِهِ لِلْحَاجِّ الجُزر وَالطَّعَامَ وَالزَّبِيبَ لِلنَّبِيذِ، فَلَا يَزَالُونَ يُطْعِمون النَّاسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيام مَوْسِمِ الْحَجِّ. انظر: مقاييس اللغة (2/ 421)، مختار الصحاح (ص: 125)، لسان العرب (3/ 181)، القاموس المحيط (ص: 283)، تاج العروس (8/ 108).
معنى الرفادة في كتب الغريب:
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 241، 242): "فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «أعطَى زكاةَ مَالِهِ طيِّبة بِهَا نفْسُه رَافِدَةً عَلَيْهِ» الرَّافِدَةُ فاعِلَة، مِنَ الرِّفْدِ وَهُوَ الإعانَة. يُقَالُ: رَفَدْتُهُ أَرْفِدُهُ؛ إِذَا أعَنْتَه؛ أَيْ: تُعِينُه نفْسُه على أدائها. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبادة: «أَلَا تَرون أَنِّي لَا أقُوم إلَّا رِفْدًا؟»؛ أَيْ: إِلَّا أَنْ أُعان عَلَى القيامِ. ويُروى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ المَصْدَر. وَمِنْهُ ذِكْرُ «الرِّفَادَةِ»، وَهُوَ شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيش تَتَرَافَدُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ أَيْ: تَتَعَاون، فيُخْرج كُل إنسانٍ بقَدْر طاقَتِه، فيجْمَعُون مَالًا عَظِيمًا، فيشترُون بِهِ الطَّعام والزَّبيب للنبِّيذ، ويُطْعمُون النَّاسَ ويَسْقُونهم أيامَ موسِم الْحَجِّ حَتَّى يَنْقَضِيَ".
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن (ص: 360): "الرِّفْدُ: المعونة والعطيّة، والرَّفْدُ مصدر، والْمِرْفَدُ: ما يجعل فيه الرِّفْدُ من الطعام، ولهذا فسِّر بالقدح، وقد رَفَدْتُهُ: أنلته بالرّفد... وتَرَافَدُوا: تعاونوا، ومنه: الرِّفَادَةُ، وهي: معاونة للحاجّ كانت من قريش بشيء كانوا يُخرجونه لفقراء الحاجّ".
قال الخطابي في غريب الحديث (1/ 452): "والرِّفادةُ الضِّيافة، وكان هاشمُ بْن عَبْد مناف يُخرِجُ في كلّ مَوْسمٍ من مواسم الحَجِّ مالًا كبيرًا من أطيب ماله، ويترافدُ سائِر القبائل من قُريش فتُرسِل كلُّ قبيلة بشيء ثُمَّ يَجمعُونه فيَشْتَرون بِهِ الجُزُر والكعك والسويق، فينحرونها ويطعمون الحاجَّ، ويَسْقُونهم وكانوا يقولون: نحن أهْلُ اللهِ وجِيرانُ بيْتِه، والحاجُّ وفْدُ الله وأَضْيافُه، فنحن أوْلى بقِراهُم، وإنما سُمّي هاشمًا، واسْمُهُ عَمْرو؛ لأنّه هَشَم الثَّريدَ وأطعم في عام جَدْب".
تفسير الرفادة في سياق النص الوارد في السيرة:
وردت الرفادة في نصوص السيرة النبوية بمعنى طَعَام كَانَت قُرَيْش تجمعه كل عَام لأهل الْمَوْسِم، وَيَقُولُونَ: هم أضياف الله تَعَالَى. وسنورد بعض المواضع التي ورد فيها لفظ الرفادة من سيرة ابن هشام:
الموضع الأول:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 130) النصُّ: "وَكَانَتْ الرِّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ مِنْ أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجِّ، فَيَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ. وَذَلِكَ أَنَّ قُصَيًّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ، وَإِنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ وَزُوَّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ، فَفَعَلُوا. فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ، فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى. فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِكَ هَذَا. فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ بِمَنَى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ".
الموضع الثاني:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 124- 125) النصُّ: "(قُصَيٌّ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمِّعًا): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ. إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ، فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنِّسْأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ.
فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ إلَيْهِ الْحِجَابَةُ، وَالسِّقَايَةُ، وَالرِّفَادَةُ - والرِّفادة: شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيش تَتَرَافَدُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فيُخْرج كُلُّ إِنسان مَالًا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، فَيَجْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَالًا عَظِيمًا أَيام الْمَوْسِمِ، فَيَشْتَرُونَ بِهِ لِلْحَاجِّ الجُزر وَالطَّعَامَ وَالزَّبِيبَ لِلنَّبِيذِ، فَلَا يَزَالُونَ يُطْعِمون النَّاسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيام مَوْسِمِ الْحَجِّ - وَالنَّدْوَةُ، وَاللِّوَاءُ، فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ، وَقَطَعَ مَكَّةَ رِبَاعًا - الرِّباع: الْمنَازل وَمَا حولهَا، واحدها: رَبْع - بَيْنَ قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ الَّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا، وَيَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا قُصَيٌّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ، فَسَمَّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمِّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا، وَتَيَمَّنَتْ بِأَمْرِهِ، فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا تَدَّرِعُ جَارِيَةٌ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدَّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا فِي دَارِهِ، يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمَّ تَدَّرِعُهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ بِهَا إلَى أَهْلِهَا، فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدِّينِ الْمُتَّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ، وَاِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النَّدْوَةِ، وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا".
الموضع الثالث:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 129- 130) النصُّ: "(مَا آثَرَ بِهِ قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدٌ، قَالَ قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ، لِأُلْحِقَنَّكَ بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ: لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلَّا أَنْتَ بِيَدِكَ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ سِقَايَتِكَ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلَّا مِنْ طَعَامِكَ، وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِي دَارِكَ، فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النَّدْوَةِ، الَّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِيهَا، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ واللواء والسقاية والرّفادة".