الندوة لغة:
(نَدِيَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى بَلَلٍ فِي الشَّيْءِ، فَالْأَوَّلُ النَّادِي. وَالنَّدِيُّ عَلَى فَعِيلٍ: مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثُهُمْ، وَكَذَا (النَّدْوَةُ) وَ(النَّادِي) وَ(الْمُنْتَدَى). فَإِنْ تَفَرَّقَ الْقَوْمُ فَلَيْسَ بِنَدِيٍّ. ونَدَوْتُ؛ أَي: حَضَرْتُ النَّدِيَّ، وانْتَدَيْتُ مِثْلَهُ. ونَدَوْتُ الْقَوْمَ: جَمَعْتُهُمْ فِي النَّدِيِّ. وَمَا يَنْدُوهم النَّادِي؛ أَي: مَا يَسَعُهم الْمَجْلِسُ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، وَالِاسْمُ النَّدْوَةُ، وَقِيلَ: النَّدْوَةُ الْجَمَاعَةُ، ودارُ النَّدْوَةِ مِنْهُ؛ أَي: دارُ الجماعةِ، سُميت مِنَ النَّادي، الَّتِي بَنَاهَا قُصَيٌّ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْدُونَ فِيهَا؛ أَيْ: يَجْتَمِعُونَ لِلْمُشَاوَرَةِ، فكَانُوا إِذَا حَزَبهم أَمْرٌ نَدَوْا إِلَيْهَا فَاجْتَمَعُوا للتَّشاورِ، قَالَ: وأُناديكَ: أُشاوِرُك وأُجالِسُك، مِنَ النَّادي. وَفُلَانٌ يُنادي فُلَانًا؛ أَي: يُفاخِرُه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}﴾ [العلق: 17]؛ أَيْ: عَشِيرَتَهُ، وَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ النَّادِي. والنَّادِي: مُجْتَمعُ القومِ وأَهلُ الْمَجْلِسِ، فَيَقَعُ عَلَى الْمَجْلِسِ وأَهلِه، وَنَادَيْتُهُ: جَالَسْتُهُ فِي النَّدِيِّ. والنِّدَاءُ: الصَّوْتُ، وَقَدْ يُضَمُّ، وَنَادَاهُ مُنَادَاةً وَنِدَاءً: صَاحَ بِهِ. وَنَادَاهُ أَيْضًا: جَالَسَهُ فِي النَّادِي. وَتَنَادَوْا: نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَتَنَادَوْا؛ أَيْ: تَجَالَسُوا فِي النَّادِي. انظر: مقاييس اللغة (5/ 411)، مختار الصحاح (ص: 307)، لسان العرب (15/ 315)، القاموس المحيط (ص: 1338)، تاج العروس (40/ 53)
معنى الندوة في كتب الغريب:
قال الخطابي في غريب الحديث (1/ 137): "والنَّدي: القوم المجتمعون، ومثله النَّادي، ويُقال: تَنَادَى القومُ إذا اجتمعوا في النادي، وهو المجلس، وناديتُ الرَّجُلَ إذا جالسته، وسمِّيت دار الندوة لأنهم كانوا يَنْدُون إليها إذا حَزَبهم أمرٌ فيتشاورون، قَالَ الفَرَّاء: العرب تَقولُ: النّادي يشهدون عليك، يَجعلَوُن النَّادِيَ والمَجلِسَ والمَشْهَدَ قَوْمَ الرّجل".
وقال الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص: 368): "والندوة الِاجْتِمَاع للمشاورة، وَبِذَلِك سُميت دَار الندوة بِمَكَّة؛ لِأَن قُريْشًا كَانَت تَجْتَمِع فِيهَا للتشاور، وتنادى الْقَوْم إِذا اجْتَمعُوا فِي النادي، وَإِذا قَامَ الْقَوْم من النادي، فَلَيْسَ بنديٍّ إِلَّا مجَازًا".
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 37): "وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «كُنّا أَنْدَاءً، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْأَنْدَاءُ: جَمْعُ النَّادِي: وَهُمُ الْقَوْمُ المجتمِعون. وَقِيلَ: أَرَادَ كُنّا أهلَ أَنْدَاءٍ. فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَفِيهِ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَدَا الناسَ إِلَى مَرْماتيْن أَوْ عَرْقٍ أَجَابُوهُ» أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى النَّادِي. يُقَالُ: نَدَوْتُ القومَ أَنْدُوهُمْ، إِذَا جمعتَهم فِي النَّادِي. وَبِهِ سمِّيت دَارُ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا وَيَتَشَاوَرُونَ".
تفسير الندوة في سياق النص الوارد في السيرة:
وردت الندوة في نصوص السيرة النبوية بمعنى الِاجْتِمَاع للمشورة والرأى، وَكَانَت الدَّار الَّتِي اتخذها قصيٌّ لذَلِك يُقَال لَهَا: (دَار الندوة)، وَهَذِه الدَّار صَارَت بعد بنى عبد الدَّار إِلَى حَكِيم بن حزَام بن خُويلدِ بنِ أَسدِ بنِ عبد الْعُزَّى بن قُصيٍّ، فَبَاعَهَا فِي الْإِسْلَام بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَذَلِكَ فِي زمن مُعَاوِيَة، فلامه مُعَاوِيَة فِي ذَلِك. وَقَالَ: أبعت مكرمَة آبَائِك وشرفهم؟ فَقَالَ حَكِيم: ذهبت المكارم إِلَّا التَّقْوَى، وَالله لقد اشْتَرَيْتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بزقِّ خمر، وَقد بعتُها بِمِائَة ألف دِرْهَم، وأُشهدكم أَن ثمنهَا فِي سَبِيل الله، فأيُّنا المغبون؟
وسنورد بعض المواضع التي ورد فيها لفظ الرفادة من سيرة ابن هشام:
الموضع الأول:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 124- 125) النص: "(قُصَيٌّ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمِّعًا): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ. إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ، فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنِّسْأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ.
فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ إلَيْهِ الْحِجَابَةُ، وَالسِّقَايَةُ، وَالرِّفَادَةُ، وَالنَّدْوَةُ – أي: دار الندوة - وَاللِّوَاءُ، فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ، وَقَطَعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ الَّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا، وَيَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا قُصَيٌّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ، فَسَمَّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمِّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا، وَتَيَمَّنَتْ بِأَمْرِهِ، فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا تَدَّرِعُ جَارِيَةٌ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدَّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا فِي دَارِهِ، يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمَّ تَدَّرِعُهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ بِهَا إلَى أَهْلِهَا، فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدِّينِ الْمُتَّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ، وَاِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النَّدْوَةِ، وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا".
الموضع الثاني:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 129- 130) النصُّ: "(مَا آثَرَ بِهِ قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدٌ، قَالَ قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ، لِأُلْحِقَنَّكَ بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ: لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلَّا أَنْتَ بِيَدِكَ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ سِقَايَتِكَ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلَّا مِنْ طَعَامِكَ، وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِي دَارِكَ، فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النَّدْوَةِ، الَّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِيهَا، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ واللواء والسقاية والرّفادة".
الموضع الثالث:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 132) النصُّ: "(مَا تَصَالَحَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ): فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ، وَتَحَاجَزَ النَّاسُ عَنْ الْحَرْبِ، وَثَبَتَ كُلُّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلَّا شِدَّةً»".
الموضع الرابع:
ورد في سيرة ابن هشام (1/ 480) النصُّ: "قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ صَارَتْ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ، وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِمْ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً، فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِمْ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَجَمَعَ لِحَرْبِهِمْ. فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ - وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إلَّا فِيهَا - يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَيْنَ خَافُوهُ".