أسماء النبيِّ ﷺ وكُنْيته

إن للنبيِّ ﷺ أسماءً كثيرة، ثبتت في القرآن والسُّنَّة، ورد منها في القرآن الكريم اسمان فقط، هما: "محمد"، و"أحمد"، وورد أسماء عديدة في السنة سنذكرها في هذه المقالة.

متى سُمِّيَ النبيُّ ﷺ؟

لَمَّا كان اليومُ السابع من ولادته ﷺ، خَتَنه جَدُّه عبد المطَّلِب على عادة العرب، وعَقَّ عنه بِكَبْشٍ، وجَعَل له مَأْدُبَةً، وسَمَّاهُ مُحَمَّدًا ﷺ، ولم يكن العرب يَأْلَفون هذا الاسمَ، فاستغربه كلُّ مَن سَمِعه من قُرَيْشٍ، وسألوا عبدَ المُطَّلِب فقالوا: لِمَ رَغِبْتَ به عن أسماء أهل بيته؟ فأجابهم: أردتُ أن يَحْمَدَه الله تعالى في السماء وخَلْقُه في الأرض.

سبب تسمية النبيِّ ﷺ محمدًا:

قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/ 669): "قال بعض العلماء: ألهَمهم الله - عَزَّ وجَلَّ - أن سمُّوه محمدًا؛ لِما فيه من الصِّفات الحميدة؛ ليَلتقيَ الاسم والفعل، ويتطابَقَ الاسم والمُسَمَّى في الصورة والمعنى".

وقيل: سمَّاه جدَّه عبد المطَّلب "محمَّدًا"؛ لرؤيا رآها، وهي: أنه رأى في مَنامه كأن سلسلةً من فِضَّة خرجت من ظهره، لها طرفٌ في السماء، وطرف في الأرض، وطرف في المشرق، وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كلِّ ورقة منها نور، فإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلَّقون بها، فقصَّها، فعبِّرت له بمولود يكون من صُلبه يتَّبِعه أهل المشرق والمغرب، ويَحمَده أهل السماء والأرض، فلذلك؛ سمَّاه "محمدًا"، مع ما حدَّثته به أمُّه حين قيل لها: إنه قد حملت سيِّد هذه الأمَّة، فإذا وضعتِه فسمِّيه محمَّدًا .

وقد أخرج البخاريُّ (3533): عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ!».

وروى البخاريُّ (3532) ومسلم (2354) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ». (على قدمي): على أَثَري. (العاقب) الذي ليس بعده أحد من الأنبياء.

وروى مسلم (2355) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ».

(المقفِّي): العاقب، المتَّبِع للأنبياء.

كُنْيَة النبيِّ ﷺ:

كنية النبيِّ ﷺ أبو القاسم؛ روى مسلم (2133) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: (وَلَا تَكْتَنُوا).

ورود اسم النبيِّ (محمد) ﷺ في القرآن الكريم:

ورد ذكر اسم (محمد) علمًا على النبي ﷺ أربع مرات في القرآن الكريم:

  1.  قال تعالى: ﴿وَمَا ‌مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: 144].
  2.  قال تعالى: ﴿مَا كَانَ ‌مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
  3.  قال تعالى: ﴿{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29].
  4.  قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى ‌مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ [محمد: 2].

الحكمة في ترك النداء باسم النبي ﷺ في القرآن:

الحكمة هي تعليم المسلمين ألَّا ينادوا النبيَّ ﷺ باسمه مجرَّدًا، وتعظيم قدر النبيِّ ﷺ وإجلاله، وسنذكر بعض أقوال العلماء في ذلك:

قال زين الدين الرازيُّ في أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل (ص: 412): "فإن قيل: كيف قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ }، ولم يقل: (يا محمدُ)؛ كما قال تعالى: يا موسى، ويا عيسى، ويا داود، ونحوه؟

قلنا: إنما عَدَل عن ندائه باسمه إلى ندائه بالنبىِّ والرسول إجلالًا وتعظيمًا له؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ، و ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ﴾ ".

وقال ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 422، 423): "ومن ذلك: أنه خصَّه في المخاطبة بما يليق به، فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} فنهى أن يقولوا: يا محمد، أو يا أحمد، أو يا أبا القاسم؛ ولكن يقولوا: يا رسول الله، يا نبيَّ الله، وكيف لا يخاطبونه بذلك والله - سبحانه وتعالى - أكرمه في مخاطبته إيَّاه بما لم يُكرِم به أحدًا من الأنبياء، فلم يَدْعُه باسمه في القرآن قطُّ؛ بل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ ، ﴿{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ}﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ ، مع أنه سبحانه قد قال: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ الآية، ﴿يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ ، ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}﴾ ، ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ ، ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاس﴾ ، ﴿{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ﴾ ، ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}﴾ ، ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾ ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِك﴾ ".

وقال في درء تعارض العقل والنقل (1/ 297، 298): "وإذا كان في باب العبارة عن النبيِّ ﷺ علينا أن نفرِّق بين مخاطبته وبين الإخبار عنه، فإذا خاطبناه، كان علينا أن نتأدَّب بآداب الله تعالى، حيث قال: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: 63] فلا نقول: يا محمد، يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضًا؛ بل نقول: يا رسول الله، يا نبيَّ الله.

والله - سبحانه وتعالى - خاطَب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – بأسمائهم، فقال: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ } [البقرة: 35] ، ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّن مَّعَكَ﴾ [هود: 48] ، ﴿يا موسى * إني أنا ربك﴾ [طه: 11-12] ، ﴿يا عيسى إني متوفِّيكَ ورافعك إليَّ﴾ [آل عمران: 55] ، وَلَمَّا خاطبه ﷺ قال: ﴿يا أيها النبيُّ﴾ [التحريم: 1]، ﴿يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر﴾ [المائدة: 41]، ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ [المائدة: 67]، ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: 1]، ﴿يا أيها المدثر﴾ [المدثر: 1]؛ فنحن أحقُّ أن نتأدَّب في دعائه وخطابه.

وأما إذا كان في مقام الإخبار عنه قلنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنُخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لَمَّا أخبر عنه ﷺ: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾ [الأحزاب: 40]، وقال: ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدًا﴾ [الفتح: 29]، وقال: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل﴾ [آل عمران: 144]، وقال: ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد ﴾ [محمد: 2] .فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل".


للاستزادة


  1. السيرة النبوية لابن كثير (1/ 208).
  2. زاد المعاد (1/ 80).

اخترنا لكم


دلائل النبوة آيات رآها النبي ﷺ  في طريقه إلى بيت المقدس
آيات رآها النبي ﷺ في طريقه إلى بيت المقدس

قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ (...)

دلائل النبوة بدء الوحي للنبي ﷺ
بدء الوحي للنبي ﷺ

عندما اقترب نزول الوحي على النبيِّ ﷺ، بدأت تَلُوحُ آثارُ النُّبُوَّةِ عليه ﷺ، وتهيئته لاستقبال الوحي، وكان أول ما بُدئ به الرؤيا الصادقة أو الصالحة، ف (...)

دلائل النبوة ما دار بينه ﷺ وبين المشركين وصبره على بلوى الدعوة والأذية
ما دار بينه ﷺ وبين المشركين وصبره على بلوى الدعوة والأذية

لقد كانت حياة النبيِّ ﷺ كلُّها صبرًا لا ينقطع، وجهادًا ومجاهدة، وعملًا دائبًا، منذ أن نزلت عليه أوَّل آية، وحتى آخر لحظة في حياته، وقد أدرك ﷺ طبيعة ما (...)

دلائل النبوة سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا

كانت رحلةُ الإسراء والمعراج مواساةً للنبىِّ ﷺ وتَسْريَةً لنفسه، وإذهابًا للوحشة التى نالت قلب الرسول ﷺ بفَقْد حبيبينِ: زوجِه خديجةَ – رضي الله عنها – (...)