الإسراء والمعراج بجسد النبي ﷺ وروحه

كانت رحلة الإسراء والمعراج في اليقظة بجسد النبيِّ ﷺ ورُوحه، لذا؛ كانت معجزةً وكرامة للنبيِّ ﷺ، وإلا لو كانت مَنامًا أو بالروح دون الجسد، فما الإعجاز في ذلك؟! فكلُّ إنسان يرى في مَنامه العجائب والغرائب، وما كانت قريش لتُنكرَ الواقعة، أو أن تكون الواقعة فتنةً يُفتَن بها بعض من أسلموا، وما كان تصديق أبي بكر دون تردُّد مَزيَّةً له.

قدرة الله تعالى في الإسراء والمعراج:

إن العبد المؤمن يؤمن أن الأمر يستوي عند الله تعالى، وفي رحلة الإسراء والمعراج يؤمن أن الأمر سواء بالنسبة إلى الله تعالى، بالجسد أو الروح أو المنام؛ فقُدرته تعالى لا يُعجزها شيءٌ، يفعل ما يشاء سبحانه، وما أنكر المنكرون وتأوَّل المتأوِّلون إلا لجعل عقولهم حَكَمًا على قدرة الله تعالى، فما قَدَروا الله حقَّ قَدْره حين لم يَعقِلوا قُدرته على فعل ما يشاء سبحانه، فأنكر من أَنكَر، وتأوَّل من تأوَّل؛ ليجعل الأمر مجرَّد رحلة مَنامية أو روحية؛ لتتوافق الحادثة مع حدود عقله، الذي لا يُدرك أن قدرة الله تعالى لا حدود لها، يفعل ما يشاء سبحانه.

الإسراء والمعراج بالجسد والروح:

لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، وكانت في اليقظة بجسده وروحه ﷺ، لذا؛ كانت معجزةً وكرامة للنبيِّ ﷺ، فلو كانت مَنامًا أو بالروح دون الجسد، لَما كانت من الإعجاز في شيء، والدليل على ذلك في أمور، منها:

  •  قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ ، وقوله: "بعبده" يدلُّ على كامل الإنسان بالجسد والروح.
  •  قد تواردت على ذلك الأحاديث الصحيحة المتكاثرة المتواترة.
  •  ما كانت قريش لتُنكرَ الواقعة؛ فكلُّ إنسان يرى في مَنامه العجائب والغرائب.
  •  ما كانت الواقعة لتصير فتنةً يُفتَن بها بعض من أسلموا.
  •  ما كان تصديق أبي بكر دون تردُّد مَزيَّةً له.

قال الطبري في تفسيره (14/ 446): "وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَسْرَى بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَلَا كَانَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقِيقَةَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ صِدْقِهِ فِيهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَهُمْ، وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَرَى الرَّائِي مِنْهُمْ فِي الْمَنَامِ مَا عَلَى مَسِيرَةِ سَنَةٍ، فَكَيْفَ مَا هُوَ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ؟ وَبَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَنَّهُ أَسْرَى بِرُوحِ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ جَائِزًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا قَالَ اللَّهُ إِلَى غَيْرِه".

وقال الشنقيطي في أضواء البيان (3/ 3) في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1]: "فاعلم أن هذا الإسراء به ﷺ المذكور في هذه الآية الكريمة، زعم بعض أهل العلم أنه بروحه ﷺ دون جسده، زاعمًا أنه في المنام لا اليقظة؛ لأن رؤيا الأنبياء وحيٌ. وزعم بعضهم: أن الإسراء بالجسد، والمعراج بالروح دون الجسد؛ ولكن ظاهر القرآن يدلُّ على أنه بروحه وجسده ﷺ يقظة لا منامًا؛ لأنه قال: {بِعَبْدِهِ}، والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، ولأنه قال: {سُبْحَانَ} والتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان منامًا لم يكن له كبير شأن حتى يُتعَجَّب منه".

الاستدلال بأثر عائشة رضي الله عنها:

الإسراء والمعراج من معجزات النبي ﷺ التي حارت فيها بعض عقول من لم يَقدُروا الله حقَّ قدره، فزعموا أنها كانت منامًا، أو كانت بالروح فقط دون الجسد، واستدلَّ بعضهم بأثر عن عائشة - رضي الله عنها - بخصوص الإسراء والمعراج تقول فيه: "ما فقدتُ جسد رسول الله؛ ولكن أُسْرِيَ بروحه"، وهذا الأثر لم يثبت عنها؛ بل حكم عليه بعض العلماء بأنه موضوع؛ إذ إن عائشة - رضي الله عنها - لم تكن زوجةً للنبيِّ ﷺ أثناء الرحلة المباركة؛ بل كانت صغيرة.

وكذلك استدلَّ البعض على أن الإسراء والمعراج كانا منامًا ببعض روايات الأحاديث، كما في رواية شريك: (وهو نائم)، وفي رواية أخرى قوله ﷺ: (أنا عند البيت بين النائم واليقظان).

قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 499): "وأما قوله فى رواية شريك: (وهو نائم)، وقوله فى الرواية الأخرى: (أنا عند البيت بين النائم واليقظان)، فقد يحتجُّ به من يجعلها رؤيا نوم، ولا حُجَّةَ فيه؛ إذ قد يكون ذلك حالةَ أوَّل وصول الْمَلَك إليه، وليس فى الحديث ما يدلُّ على كونه نائمًا فى القصة كلها".

وقال ابن حجر في فتح الباري (7/ 204): "(بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ)، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاء الْحَال، ثمَّ لَمَّا خرج بِهِ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَأَرْكَبَهُ الْبُرَاق، اسْتَمَرَّ فِي يَقَظَتِهِ".

للاستزادة


  1. تفسير الطبري (14/ 446).
  2. السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (1/ 410).

اخترنا لكم


دلائل النبوة الدخول في الإسلام بسبب حسن خلق النبي ﷺ
الدخول في الإسلام بسبب حسن خلق النبي ﷺ

كان النبيُّ ﷺ مجبولًا على الأخلاق الحميدة في أصل خِلْقَتِه، وَأَوَّلِ فِطْرَتِهِ، بِجُودٍ إلَهِيٍّ، وخُصُوصِيَّهٍ رَبَّانِيَّةٍ، فكان ﷺ وَصُولًا للرَّ (...)

دلائل النبوة إقسام الله تعالى بحياته ﷺ
إقسام الله تعالى بحياته ﷺ

القسَم دائمًا يكون بمعظَّم لدى الْمُقسِم، وإذا أقسم الله تعالى بشيء، فإن هذا القسم يكون تعظيمًا لهذا الشيء وتشريفًا له من قِبَل الله تعالى، وقد أقسم ا (...)

دلائل النبوة طِيب مولده ﷺ وحَسَبه ونَسَبه
طِيب مولده ﷺ وحَسَبه ونَسَبه

وُلِد الرسول ﷺ في شهر ربيعٍ الأول، يوم الاثنين بلا خلاف، والأكثرون على أنه ليلةَ الثانيَ عشَرَ من ربيعٍ الأول .وقال خليفة بن خياط: "والْمُجمَع عليه (...)

دلائل النبوة لماذا كان عروج النبي ﷺ من المسجد الأقصى؟
لماذا كان عروج النبي ﷺ من المسجد الأقصى؟

أُسريَ بالنبيِّ ﷺ إلى بيت المقدس ليَعرُج إلى السماء من المسجد الأقصى، ولم يُعرَج به من المسجد الحرام إلى السماء (...)