النبي ﷺ يعلمنا التواضع

كان رسول الله ﷺ أشدَّ الناس تواضعًا، وأبعدهم عن الكبر والخُيَلاء، وحسبك في هذا أنه خيِّر بين أن يكون نبيًّا مَلِكًا أو نبيًّا عبدًا، فاختار الثاني؛ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «لا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا» رواه أحمد وأبو داود.

ومن تواضعه ﷺ أنه كان يأكل مع العبد والخادم، ويحمل حاجته من السوق، وكانت تقابله المرأة في سكك المدينة فتستوقفه فيقف حتى يقضيَ لها حاجتها.

أمره ﷺ بالتواضع ونهيه عن الكبر:

  •  قال رسول الله ﷺ: «وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» رواه مسلم.
  •  وَقَالَ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ - أَوْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ - تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
  •  وكان يقول ﷺ: «إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» رواه أحمد في الزهد وأبو يعلى والبزار وصححه الألباني.
  •  وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» رواه مسلم.
  •  وقَالَ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».

تواضع النبي ﷺ:

قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/ 313): "وَكَانَ ﷺ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ الشَّاةَ لِأَهْلِهِ، وَيَعْلِفُ الْبَعِيرَ، وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ، وَيُجَالِسُ الْمَسَاكِينَ، وَيَمْشِي مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ فِي حَاجَتِهِمَا، وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ، وَلَوْ إِلَى أَيْسَرِ شَيْءٍ، وَكَانَ ﷺ هَيِّنَ الْمُؤْنَةِ، لَيِّنَ الْخُلُقِ، كَرِيمَ الطَّبْعِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، طَلْقَ الْوَجْهِ بَسَّامًا، مُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ ذِلَّةٍ، جَوَادًا مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقَ الْقَلْبِ رَحِيمًا بِكُلِّ مُسْلِمٍ، خَافِضَ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيِّنَ الْجَانِبِ لَهُمْ، وَكَانَ ﷺ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ، وَكَانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ".

أمثلة عملية لتعلُّم التواضع من النبي ﷺ:

  •  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» رواه البخاري ومسلم.
  •  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنه - قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
  •  وكان ﷺ يُردف أصحابه خلفه على ركوبته، ومن ذلك ما رواه البخاريُّ ومسلم عَن مُعاذِ بنِ جبلٍ – رضي الله عنه - قال: كنتُ رَدِيفَ النبيِّ ﷺ على حمارٍ فقال لي: «يا معاذُ، أتدري ما حقُّ اللهِ على العبادِ؟ وما حقُّ العبادِ على اللهِ؟» الحديث. قال ابن حجرفي فتح الباري (11/ 340): "وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ رُكُوبِ اثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ، وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ ".
  •  سُئلت السيدة عائشة - رضي الله عنها -: ما كان ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مِهنَة – أي: خدمة – أهلِه، فإذا حضرت الصلاةُ، خَرَج إلى الصلاة"، وفي رواية لأحمد: "كان بَشَرًا من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلِب شاته، ويَخْدُمُ نفسَه" رواه البخاريُّ وأحمد.
  •  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» رواه البخاري. (الكراع): كُراع الشاة وهو ما دون الكعب، ومُستدقُّ الساق، وهو شيء حقير، فأشار ﷺ بالكراع إلى إجابة الدعوة ولو على شيء قليل، وقَبول الهدية وإن قلَّت، وهذا من تواضع النبيِّ ﷺ.
  •  عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ" رواه البخاري. (الأمة): المرأة المملوكة. (لتأخذ بيده)؛ أي: تطلب مساعدته فيلبِّي طلبها وينقاد لها. (فتنطلق به): تذهب ويذهب معها إذا احتاجت مساعدتها للذَّهاب (حيث شاءت) أي موضع من مواضع المدينة يكون قضاء حاجتها فيه.
  •  عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "مَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ" رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدبِ المفردِ بأسانيدَ صحيحة.
  •  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» رواه البخاري. (لا تطروني): من الإطراء، وهو الإفراط في المديح، ومجاوزة الحد فيه، وقيل: هو المديح بالباطل والكذب فيه. (كما أطرت النصارى ابن مريم)؛ أي: بدعواهم فيه الألوهية وغير ذلك.
  •  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُدْعَى إِلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالْإِهَالَةِ السَّنِخَةِ فَيُجِيبُ، وَلَقَدْ كَانَ لَهُ دِرْعٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَمَا وَجَدَ مَا يَفُكُّهَا حَتَّى مَاتَ» رواه الترمذي وصححه الألباني. (الإهالة): الدَّسَم الجامد، و(السَّنِخة): الدهن المتغيِّر الرائحة.
  •  عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَزُورُ الْأَنْصَارَ، فَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهُمْ، وَيَمْسَحُ بِرِؤوسِهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ" رواه النسائيُّ وصحَّحه الألباني.
  •  عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ" رواه الحاكم وصححه الألباني.
  •  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ" رواه الترمذي والنسائي.

للاستزادة


  1. مدارج السالكين (2/ 313).
  2. إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 280).

اخترنا لكم


التواضع تواضعه ﷺ
تواضعه ﷺ

لقد كان تواضع النبي ﷺ مضرب الأمثال لجميع البشر، وكان يحضُّ على التواضع، ويحذِّر من الكبر والتكبًّر، وكان متواضعًا مع جميع الناس، يخفض جناحه للكبير وال (...)