لقد كان النبيُّ ﷺ الرحمةَ الْمُهداة للعالمين، وكانت تتجلَّى رحمته ﷺ في تعامله مع الأطفال، فكان النبي ﷺ يحبُّ الأطفال، يُلاطفهم ويلاعبهم، وكان رحيمًا بهم، وكان يمرُّ بهم فيسلِّم عليهم.
رحمته ﷺ بالأطفال والحضُّ عليها:
إذا كان الناس عامَّةً بحاجة إلى الرحمة والرعاية، فالأطفال خاصَّةً بحاجة إلى الكثير من الحب والرحمة والشفقة بهم، والمتأمِّل في سيرته ومواقفه ﷺ يجد أنه كان أرحمَ الناس بالأطفال؛ روى مسلم عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ".
وروى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَأمْلِكُ إنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ!».
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، أَبْصَرَ النَّبِيَّ ﷺ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ».
من أمثلة رحمته ﷺ بالأطفال:
لقد تجلّت رحمته وشفقته ﷺ بالأطفال في كثيرٍ من المواقف، منها:
- كان يحمل حَسنًا أو حُسينًا في الصلاة؛ فعن شدادِ بنِ الهادِ الليثي: خرَجَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ في إحدى صلاتَيِ العَشِيِّ، وهو حاملٌ حسَنًا أو حُسَينًا، فتقدَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ فوضَعَه، ثمَّ كبَّرَ للصلاةِ، فصلّى، فسجَدَ بينَ ظَهْرانَيْ صلاتِه سَجْدةً أطالَها. قال شداد: فرفَعتُ رَأْسي، وإذا الصبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ ﷺ وهو ساجدٌ، فرجَعتُ إلى سُجودي، فلمّا قضى رسولُ اللهِ ﷺ قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدتَ بينَ ظَهْرانَيْ صلاتِكَ سَجْدةً أطَلتَها، حتى ظنَنَّا أنَّه قد حدَثَ أمرٌ، أو أنَّه يُوحى إليكَ؟ قال: ((كلُّ ذلكَ لم يكُنْ؛ ولكنَّ ابني ارتَحَلني، فكرِهتُ أنْ أُعجِّلَه حتى يَقْضيَ حاجتَه)) أخرجه أحمد والنسائيُّ واللفظ له، وصحَّحه الألبانيُّ.
- ونزل ﷺ من على المنبر ليأخذ الحسن والحسين عندما رآهما يعثران ويقومان؛ فعن بُريدة بن الحصيب الأسلميِّ، قالَ: خطبَنا رسولُ اللَّهِ ﷺ فأقبلَ الحسنُ والحسينُ - رضيَ اللَّهُ عنْهما - عليْهما قَميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ ويقومانِ، فنزلَ فأخذَهما، فصعِدَ بِهما المنبرَ، ثمَّ قالَ: ((صدقَ اللَّهُ: {إنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}، رأيتُ هذينِ فلم أصبِرْ))، ثمَّ أخذَ في الخطبةِ. رواه أبو داود والنسائيُّ، وصحَّحه الألبانيُّ.
- وكان ﷺ يحمل ابنة ابنته وهو يصلِّي بالناس، إذا قام حملها وإذا سجد وضعها؛ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا" رواه البخاريُّ ومسلم. قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/ 212): "ألا ترى حمل النبى عليه السلام أُمَامَة ابنة أبى العاص على عنقه فى الصلاة، والصلاة أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر عليه السلام بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها مما يضاد الخشوع المأمور به فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها فى الصلاة، وفي فعله عليه السلام ذلك أعظم الأسوة لنا، فينبغى الاقتداء به في رحمته صغار الولد وكبارهم والرفق بهم".
- وكان ﷺ يسمع بكاء الصبيِّ فيُسرع في الصلاة مخافةَ أن تُفتتن أمُّه؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَة، فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ؛ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ)) رواه البخاريُّ ومسلم.
- وكان يلاطف الأطفال ويلاعبهم، ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاريُّ ومسلم عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا - وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟». نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ. (فطيمًا)؛ أي: مفطومًا. (النُّغَيْر): تصغير النُّغَر، هو طائر صغير.