قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، فشَمِلت رحمته ﷺ المؤمنين والكافرين، والمرأة والطفل، حتى الحيوانات والطيور والدّوابَّ، وقد غرس ﷺ في نفوس أصحابه معانيَ الرحمة والرفق بالحيوان، وأمر ﷺ بالإحسان إلى الحيوان وعدم إيذائه، وبتقديم ما يحتاجه من طعام وشراب، ونهى عن تحميله ما لا يُطيق.
مواقف من رحمة النبي ﷺ بالحيوان:
عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً» رواه أبو داود وصححه الألباني.
عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ» رواه أبو داود وصححه الألباني (الحمَّرة): طائر يشبه العصفور. (تفرش)؛ أي: تَطيرُ وتُرفْرِفُ فزعًا؛ لفَقْدِ فَرْخَيْها وصَغِيرَيْها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَىَّ حَدِيثًا لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِىَّ ﷺ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ ﷺ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟»، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَفَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ فِى هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِى مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ؟!» رواه أحمد وأبو داود وصحَّحه الألباني. (الهدف): ما ارتفع من الأرض. (حائش نخل): الملتفُّ المجتمِع من النخل. (تُدْئِبه): تُكرِهه وتُتعِبه.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ (يسقون عليه)، وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ، فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، وَإِنَّ الأَنْصَارَ جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنَى عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ اسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا، وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأَصْحَابِهِ: قُومُوا، فَقَامُوا، فَدَخَلَ الْحَائِطَ (البستان) وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَتِهِ، فَمَشَى النَّبِيُّ ﷺ نَحْوَهُ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ، فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ بَهِيمَةٌ لاَ تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ وَنَحْنُ نَعْقِلُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ: لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا؛ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ. رواه أحمد وصحَّحه الألباني.
لعنُه ﷺ مَن اتخذ الحيوان غرَضًا يتعلم فيه الرمي:
روى مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا، وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا».
نهيه ﷺ عن الْمُثلة بالحيوان:
ومن صور رحمته ﷺ بالحيوان نهيُه عن الْمُثْلة بالحيوان؛ أي: قطع جزء من أعضائه وهو حيٌّ،
ولعن من فعل ذلك؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قال: "لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ مَثَّلَ بِالحَيَوَانِ" رواه البخاري.
وعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ – أي: كُوِيَ - فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ» رواه مسلم.
تحذيره ﷺ من حبس الحيوان وتجويعه:
روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ» قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ: «لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا، فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» (في هرَّة) بسببها. (خشاش) حشرات.
روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَغُلاَمٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلاَمِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلاَمَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ «نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ» والتصبير : أن يحبس ويرمى .
غفران الذنوب بالإحسان إلى الحيوان:
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» (بغي): زانية. (موقها): ما يُلبَس فوق الخُفِّ.
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلاَ خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».
من رحمته ﷺ أمره بالإحسان إلى البهيمة حال ذبحها:
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا، أَوْ قَالَ: إِنِّي لأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا، فَقَالَ: «وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ، وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ» رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ عَلَى رَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ، وَهُوَ يَحِدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَلْحَظُ إِلَيْهِ بِبَصَرِهَا، فَقَالَ: «أَفَلا قَبْلَ هَذَا، أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ؟!» رواه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وصححه الألباني.
نهيه ﷺ عن لعن الحيوان:
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: كَانَتْ رَاحِلَةٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ بَعِيرٌ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ، وَعَلَيْهَا جَارِيَةٌ، فَأَخَذُوا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَتَضَايَقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَأَبْصَرَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَتْ: حَلْ حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ صَاحِبُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ؟ لاَ تَصْحَبُنَا رَاحِلَةٌ، أَوْ نَاقَةٌ، أَوْ بَعِيرٌ عَلَيْهَا مِنْ لَعْنَةِ اللَّه» رواه أحمد.