الرسول ﷺ وحقوق الإنسان

في هذا العصر صارت قضية حقوق الإنسان من أهم القضايا وأشهرها في عالم اليوم، ولو تأمَّلنا سيرة النبي ﷺ لوجدناها نموذجًا عمليًّا وفريدًا ومتكاملًا في تشريع حقوق الإنسان، والعناية بها، وحمايتها، وحفظها، والاعتراف بأهميتها، وأن للنبي ﷺ فضلَ السَّبْق في تناوله لحقوق الإنسان على جميع المواثيق الدولية، بمواقفه وممارساته وكلماته ﷺ؛ بل لم يَعرف التاريخ الإنساني نبيًّا، ولا مُصلِحًا، أكمل من النبيِّ ﷺ في تطبيقه وعنايته بحقوق الإنسان، والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحداث الدالة على ذلك، ومنها ما يلي:

المساواة بين البشر وتكريم الإنسان:

لقد كرَّم الله تعالى الإنسان؛ قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].

وإن جنس البشر منحدر من أصل واحد من ذكر وأنثى؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، فميزان التفاضل بين الناس هو التقوى والعمل الصالح فقط، لا اللون ولا القوم ولا الجنس، فلا يوجد تمييز عنصري في الإسلام؛ بل الناس متساوون من أصل الخلق.

لقد كانت بعثة النبي ﷺ ورسالته التي جاء بها رحمةً للإنسانية، فقد قرَّر النبيُّ ﷺ المساواة بين البشر، ودعا إليها؛ فالناس رجلان أو صنفان: مؤمن تقي وفاجر شقي، فالمؤمن التقيُّ هو الخيِّر الفاضل، وإن لم يكن حسيبًا في قومه، والفاجر الشقيُّ هو الدنيء، وإن كان في أهله شريفًا رفيعًا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني. (عُبِّيَّة الجاهلية): الكِبْر والنخوة. (الجِعْلان): جمع جُعَل، دُوَيبة سوداء تُدير الأوساخ بأنفها.

وقد أسَّس لكرامة الإنسان، ووَحْدة أصله ببيانه النبويِّ، فقال ﷺ في خُطبته فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ.

رواه أحمد.

الوثيقة الإسلامية في المدينة المنورة:

بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة المنورة، وبداية بناء الدولة الإسلامية، أصدر وثيقة تنظِّم العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم الجديد، وبين المجتمع المسلم ككلٍّ وبين الكُتل البشرية التي تعايشت في المدينة حينئذ، وخاصَّةً اليهود، وقد أقامت وأرْست هذه الوثيقة مبادئ حقوق الإنسان لكل أبناء الدولة الإسلامية من المهاجرين والأنصار واليهود والمشركين، ونظَّمت العلاقات بينهم، ونَصَّت على كفالة حريَّة المُعْتَقد، ودعت إلى التَّعايش السِّلمي والتعاون، وحُسْنِ الجوار والعدل.

تحرير الإنسان من الرِّق:

لقد جاء الإسلام ونظام الرِّق قائم مستقرٌّ، فقام النبي ﷺ بالعمل على تحرير الأرقَّاء الواقعين تحت وطأة الرِّق، فشرع أحكامًا تفتح أبوابًا كثيرة للقضاء على الرِّق ليتحرَّر الناس منه؛ مثل عتق رقبة كفَّارة لليمين، وغير ذلك من الأحكام، وقد دعا النبي ﷺ في أحاديث كثيرة إلى الإحسان إلى الأرِقَّاء والخدم والعبيد، وتحريرهم مِنَ الرِّقِّ والعبودية.

حقوق الإنسان في الحرب:

لم تعرف البشرية محاربًا أرحم بأعدائه ومراعيًا لحقوق الإنسان من رسول الله ﷺ، ويشهد لذلك التاريخ البشري، والسيرة النبوية، وكان يوصي بعدم الاعتداء على من لا يحارب كالمرأة والطفل والشيخ الكبير، وعدم الإفساد في الأرض.

خطبة حجَّة الوداع وما فيها مِن حقوق الإنسان:

أكَّدت خطبة النبي ﷺ في حجَّة الوداع على جُملة من الحقوق الإنسانية، وأهمُّها: العدل والمساواة، وحُرْمَة الدماء والأموال والأعراض، والمساواة بين البَشر، ونبذ العنصرية والمفاخرات العِرقية، وأن أساس التفاضل بين الناس لا عِبْرة فيه لجنس، ولا لون، ولا وطن، ولا قومية.

الوصية بالنساء:

المرأة قبل بعثة النبي ﷺ كانت مظلومة مهضومة الحقوق، متدنِّية في مكانتها ومنزلتها، حتى وصلوا إلى وأْدها في مَهدها، فلما بُعِثَ النبي ﷺ رفع الظلم عنها، وأوصى بها وبحقوقها، وأحاطها النبي ﷺ بسياج من الحب والرعاية، والعناية والاهتمام، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة.

ضمان حرية المعتقد:

لقد سطَّر التاريخ أن أبشع ما عرفته البشرية في تاريخها الطويل ظاهرة الاضطهاد الدِّيني، وإكراه الناس على ترك معتقداتهم بأشد أنواع التعذيب الوحشي من أجل التخلِّي عمَّا اعتقدوه، فلما أتى الإسلام أنكر ذلك وحرَّم الإكراه في المعتقد؛ كما قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ في الدِّينِ قد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256].

تحقيق العدالة بين الناس:

أتى النبي والظلم يكسو وجه الدنيا، فأقام العدل وأمر به وحرم الظلم؛ كما روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا...».


للاستزادة


  1. سيرة ابن هشام (1/ 501).
  2. السيرة النبوية لابن كثير (2/ 321).

اخترنا لكم


الحقوق الرسول ﷺ والمساواة بين البشر
الرسول ﷺ والمساواة بين البشر

لقد أرسى النبي ﷺ مبدأ المساواة بين البشر، وقرَّر أن ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى والعمل الصالح فقط، لا اللون ولا القوم ولا الجنس، فلا يوجد تمييز (...)