بعث النبي ﷺ ليتمم مكارم الأخلاق

إن الأخلاق لها شأن عظيم في الإسلام، وصاحب الرسالة ﷺ الأسوة الحسنة قد شَهِد له ربُّه تعالى في كتابه قائلًا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

بعث النبيّ ﷺ ليتمم مكارم الأخلاق:

لقد أخبر النبيُّ ﷺ أن الغاية من بعثه للناس أن يتمِّم مكارم الأخلاق؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – ﷺ: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق» .

وربما قال البعض: وهل الأخلاق أهمُّ من العقيدة؟ أو أنها أهمُّ من الصلاة والزكاة وسائر العبادات؟

فالأمور لا تورد هكذا؛ فإن الأخلاق هي صدى العقيدة والعبادة؛ فهي التي سيَلمِس منها الناس دينك وعقيدتك وعبادتك ظاهرةً في خُلقك؛ فربما لا يُدرك أكثر الناس عقيدتك وتفاصيلها - حيث إن موضعها القلب - أو عباداتك؛ ولكنهم حتمًا سيرون كل ذلك في أخلاقك.

أخلاق النبي ﷺ دليل على نبوته:

لقد جعل الله تعالى أخلاق النبيِّ ﷺ من دلائل نبوَّته؛ فقال تعالى للنبيِّ ﷺ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، فوصفه الله تعالى وخصَّه بما أعطاه من عظيم الأخلاق ما يدلُّ على عظمته ﷺ ويدلُّ أيضًا على عظمة الله تعالى، وعظمةِ رسالة الإسلام التي أرسل بها رسوله ﷺ ومن ثَمَّ صارت أخلاقه ﷺ دليلًا نقليًّا في القرآن، ودليلًا عقليًّا على نبوَّته ﷺ فأنَّى يكون صاحب هذه الأخلاق العظيمة دَعيًّا يفتري على الله الكذب؛ وهو النموذج الذي وضعه الله للبشر ليتأسَّوْا به، وأخبرهم أنه على خُلق عظيم؟!

بل إن أول من آمن برسالة النبيِّ ﷺ كأبي بكر الصديق وأم المؤمنين خديجة، آمنوا به ﷺ بدليل مكارم أخلاقه فقط؛ فلم يكن قد نزل القرآن، ولم يروا معجزات للنبيِّ ﷺ إنما كانت مكارم النبيِّ ﷺ وأخلاقه العظيمة وكماله البشريُّ هو دليلَهم الوحيد لصدق النبيِّ واستحالة أن يفتريَ الكذب، وقد فُتحت بلاد كثيرة وانتشر فيها الإسلام بأخلاق المسلمين من الصدق والأمانة والسماحة والعدل ومكارم الأخلاق التي رآها الناس في تلك البُلدان، تؤكد لهم أن أصحاب هذه الأخلاق أصحاب عقيدة صحيحة ودين عظيم.

موقع الخُلق من الدِّين:

إن أكثر ما يُدخل الناس الجنةَ تقوى الله وحُسن الخلق؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: «تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ»، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: «الفَمُ وَالفَرْجُ». رواه أحمد والترمذيُّ وحسَّنه الألبانيُّ.

وقد قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/ 294): "الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ؛ فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ، زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ".

وقد ربط النبيُّ ﷺ بين إسلام المرء وأخلاقه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «خَيرُكُم إسْلامًا أحَاسِنُكُم أَخلاقًا إِذَا فَقُهوا» رواه البخاريُّ في الأدب المفرد "الصحيحة" (1846).

وقد تحدَّث النبيُّ ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ عن أهمية الأخلاق بالنسبة للمؤمن، وأنها ترفع درجاته؛ فالأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان، وحُسن الخُلق هو أساس الخيرية والتفاضل بين الناس يوم القيامة، وحسنو الأخلاق هم أحب الناس وأقربهم للنبيِّ ﷺ مجلسًا يوم القيامة؛ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا» رواه الترمذيُّ وصحَّحه الألبانيُّ.

وعَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الْمُؤمِن ليُدرِكُ بِحُسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم» رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه الألبانيُّ.

وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من شيءٍ يوضَع في الميزانِ أثقلُ من حُسن الخُلق، وإن صاحب حُسن الخُلق لَيَبْلُغ به درجة صاحب الصوم والصلاة» رواه الترمذيُّ وصحَّحه الألبانيُّ.

وقد جعل النبيُّ ﷺ التفاوت في الإيمان بين المسلمين بحُسن الخُلق، فأحسنُهم خُلقًا هو أكملُهم إيمانًا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ ﷺ قال: «أَكْمَلُ الْمُؤمِنينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِياركُمْ خيارُكم لِنِسَائِهِم» رواه أحمد، والترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وإن سوء الخلق يأكل الحسناتِ، كما أن حُسن الخُلق يرفع الدرجات؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم.

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ:«لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَار مِنْ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» رواه أحمد والبخاريُّ في الأدب المفرد، وصحَّحه الألبانيُّ.

وانظر إلى قَسَمِ النبيِّ ﷺ: فعن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ قال: «وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ»، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» متَّفق عليه.

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ» رواه أبو داود وابن ماجهْ والترمذيُّ وقال: حديث حسن.

للاستزادة


  1. شرح النوويِّ على مسلم (16/ 111).
  2. مدارج السالكين (2/ 294).

اخترنا لكم


شمائل الرسول ﷺ خُلق رسول الله ﷺ
خُلق رسول الله ﷺ

قال الله تعالى للنبيِّ ﷺ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، فوصفه الله تعالى وخصَّه بما أعطاه من عظيم الأخلاق ما يدلُّ على عظمته ﷺ ويدل (...)