شُهود النبيِّ ﷺ حِلْفَ الفضول

كَانَ حِلْفُ الفُضُولِ أَكْرَمَ حِلْفٍ سُمعَ بِهِ، وأشْرَفَهُ في العَرَبِ، وكَانَ هَذَا الحِلْفُ في ذِي القَعْدَةِ في شَهْرٍ حَرَامٍ، بَعْدَ حَرْبِ الفِجَارِ بِشَهْرٍ، وقِيلَ: بَأَرْبَعة أَشْهُرٍ.

وسَبَبُ هَذَا الحِلْفِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ (زُبَيْدٍ) بِالْيَمَنِ قَدِمَ مَكَّةَ ببِضَاعَةٍ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ العَاصُ بنُ وَائِلٍ، وأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ، فَاستَدْعَى عَلَيْهِ الزُّبَيْدِيُّ الأَحْلَافَ: عَبْدَ الدَّارِ، ومَخْزُومًا، وجُمَحَ، وَسَهْمًا، وَعَدِيَّ بنَ كَعْبٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُوهُ عَلَى العَاصِ بنِ وَائِلٍ، وَانْتَهَرُوهُ.

فلَمَّا رَأَى الزُّبَيْدِيُّ الشَّرَّ، صَعِدَ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وقُرَيْشٌ عِنْدَ الكَعْبَةِ، وَنَادَى رَافِعًا صَوْتَهُ مُنشدًا شعرًا يَصِفُ فِيه ظُلَامَتَه، فَقَامَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ: مَا لِهَذَا مَتْرُوكًا؟ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو هَاشِمٍ، وَزُهْرَةُ، وبَنُو تَيْمِ بنِ مُرَّةَ، في دَارِ عَبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ، وتَعَاقَدُوا، وتَحَالفوا بِاللهِ، لَيَكُونُنَّ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ المَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ، حتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ حَقُّهُ، ثُمَّ مَشَوْا إِلَى العَاصِ بنِ وَائِلٍ، فَانتزَعُوا مِنْهُ سِلْعَةَ الزُّبَيْدِيِّ، فَدَفَعُوهَا إِلَيْهِ.

سببُ تَسْميَته بحِلْف الفُضول:

سَمَّتْ قُرَيْشٌ هَذَا الحِلْفَ (حِلْفَ الفُضُولِ)، وقَالُوا: لَقَدْ دَخَلَ هَؤُلَاءَ في فَضْلٍ مِنَ الأَمْرِ،

وقِيلَ: سُمِّيَ حِلْفَ الفُضُولِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمُ اسْمُهُ الفَضْلُ، وهُم: الفَضْلُ بنُ فُضَالةَ، والفَضْلُ بنُ وَدَاعَةَ، والفَضْلُ بنُ الحَارِثِ، وأُطلِق عليه أيضًا "حلف المطيَّبين" كما سيأتي.

شُهود النبيِّ ﷺ حِلْفَ الفضول:

روى البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (13080) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ". وحُمر النَّعَم هي الإبل الحُمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها الْمَثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منه.

وروى البخاريُّ في "الأدب المفرد" (567) وأحمد في مسنده (1655) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ، وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ».

والمقصود بحلف المطيَّبين في هذا الخبر: هو حلفُ الفضول؛ وإنما سمِّي بالمطيَّبين؛ لأن القبائل المشاركة فيه، هي نفسها التي عقدت حلف المطيَّبين قبلَه.

قال ابن الأثير في النهاية (3/ 408): "وإنما سَمَّى رسول الله ﷺ حِلْفَ الفُضُول بالمُطَيَّبين، مع أنه ﷺ لم يَشْهَدْ حلفَ المُطَيَّبين؛ لأنه كان شَبِيهًا به في التَّنَاصح، والأخذ للضعيفِ من القَوِيِّ، وللغريب من القاطن".


للاستزادة


  1. سيرة ابن هشام (1/ 169).
  2. الروض الأنف (2/ 242).

اخترنا لكم


قبل الرسالة والنبوة شُهود النبيِّ ﷺ حربَ الفِجَار
شُهود النبيِّ ﷺ حربَ الفِجَار

حَرْبُ الفِجَار هي حرب شهيرة وقعت بين قُريش ومن معها من كِنانةَ من جهة، وقَيْسِ عَيْلانَ وأحلافِها من جهة، وسببُ تسميته بـ(يوم الفِجَار) ما حدَث فيه م (...)

قبل الرسالة والنبوة استرضاعه ﷺ في بني سعد
استرضاعه ﷺ في بني سعد

على عادة أهل مكَّةَ التمس عبد المطَّلب لرسول الله ﷺ الْمَراضع، حيث كانت عادتهم أنهم يؤثِرون إذا وُلِد لهم ولدٌ أن يلتمسوا له مُرْضِعةً من البادية، وكا (...)

قبل الرسالة والنبوة وفاة أم النبيِّ ﷺ وكفالة جَدِّه
وفاة أم النبيِّ ﷺ وكفالة جَدِّه

لَمَّا بَلَغَ النبيُّ ﷺ سِتَّ سِنِينَ، تُوُفِّيَتْ وَالِدَتُهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِموضع يسمَّى (الْأَبْوَاءَ)، وهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ (...)

قبل الرسالة والنبوة عَوْدَةُ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى أُمِّهِ
عَوْدَةُ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى أُمِّهِ

رُجُوعُ حَلِيمَةَ بِهِ ﷺ إلَى أُمِّهِ الحَنُونِ آمَنَةَ:بعد حادثة شقِّ صدره الشريف ﷺ خَشِيت حليمةُ السعدية وزوجُها عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فقرَّرا إرجاع (...)