لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

إن هديَ النبيِّ ﷺ يُضرَب به أروع الأمثال، وعلى المسلم أن يتَّبِع هَدْيَ النبيِّ ﷺ في سائر أحواله؛ فهو الرحمة المهداة، والسراج المنير، والأسوة الحسنة، الذي مدح الله تعالى خُلقه في القرآن قائلًا: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

رسول الله الأسوة الحسنة:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ﴾ محمد ﷺ ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ وَالْأُسْوَةُ: الِاقْتِدَاءُ، فَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَجْعَلَ قُدْوَتَهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، فالآية دليلٌ على أن جميع طريق النبيِّ ﷺ حَسُنٌ ليس فيه سيِّئ، والواجب على المسلم أن يتأسَّى برسول الله ﷺ تأسِّيًا حسنًا، لا غُلُوَّ فيه - فالغلوُّ زيادة - ولا تفريط - فالتفريط نُقصان - ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ ، فيتأسًّى برسول الله ﷺ رجاءَ ثواب الله تعالى والفوز في اليوم الآخر، والتأسِّي يكون أيضًا بذكر الله كثيرًا، وأولئك أولو الألباب؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 190، 191].

التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ:

قال ابن كثير في تفسيره (6/ 391): "هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ النَّاسُ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فِي صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ وَمُرَابَطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَانْتِظَارِهِ الْفَرَجَ مِنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينِ تَقَلَّقُوا وَتَضْجَّرُوا وَتَزَلْزَلُوا وَاضْطَرَبُوا فِي أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ أَيْ: هَلَّا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَتَأَسَّيْتُمْ بِشَمَائِلِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ ".

قال الشوكانيُّ في فتح القدير (4/ 311): "وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عِتَابٌ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ أَيْ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلْقِتَالِ وَخَرَجَ إِلَى الْخَنْدَقِ لِنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ، أُسْوَةٌ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا خَاصًّا فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِثْلُهَا: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وَقَوْلُهُ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، واللام في {لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}: متعلِّق بحَسَنة، أو: بمحذوف هو صفة لحسنة؛ أَيْ: كَائِنَةٌ لِمَنْ يَرْجُو اللَّهَ... وَالْمُرَادُ بِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ: الْمُؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَرْجُونَ اللَّهَ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، وَمَعْنَى يَرْجُونَ اللَّهَ: يَرْجُونَ ثَوَابَهُ أَوْ لِقَاءَهُ، وَمَعْنَى يَرْجُونَ الْيَوْمَ الْآخِرَ: أَنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ فِيهِ، أَوْ يُصَدِّقُونَ بِحُصُولِهِ، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَخْصِيصٌ بَعْدَ التَّعْمِيمِ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا مَعْطُوفٌ عَلَى كَانَ؛ أَيْ: وَلِمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَجَمَعَ بَيْنَ الرَّجَاءِ لِلَّهِ وَالذِّكْرِ لَهُ، فَإِنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ بِرَسُولِ الله ﷺ".

للاستزادة


  1. تفسير ابن كثير (6/391).
  2. فتح القدير للشوكاني (4/ 311).

اخترنا لكم


دلائل النبوة سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا

كانت رحلةُ الإسراء والمعراج مواساةً للنبىِّ ﷺ وتَسْريَةً لنفسه، وإذهابًا للوحشة التى نالت قلب الرسول ﷺ بفَقْد حبيبينِ: زوجِه خديجةَ – رضي الله عنها – (...)

دلائل النبوة الإسراء والمعراج بالنبي ﷺ
الإسراء والمعراج بالنبي ﷺ

قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِ (...)

دلائل النبوة لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ

قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة (...)

دلائل النبوة ما رآه النبي ﷺ في الجنة
ما رآه النبي ﷺ في الجنة

لقد شاهد النبيُّ ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج المباركة من آيات الله الكبرى، ومن ذلك أنه ﷺ أُدخِل الجنَّة، وسنذكر (...)