وفاة والد النبيِّ ﷺ

لم يَطُلِ المقام بالشابِّ الفَتيِّ، الزوجِ الجديد عبدِ الله مع زوجته آمنةَ بنتِ وهبٍ، حيث دعاه داعي الرزق والكدِّ والعمل، فخرج في عِير لقُرَيش يحملون تجارتهم إلى الشام، تاركًا عروسَه، وهو لا يعلم أنها حملت حملًا مباركًا بخير خلق الله كلهم، ومن سيُعلي ذكره في العالمين إلى الأبد.

قضى عبد الله وقته في تصريف تجارته، مؤمِّلًا عودتَه سالمًا غانمًا إلى عروسه، فعاد مع رُفقته بعد أن صرَّفوا تجاراتِهم، وفي طريق رجوعه مرُّوا بالمدينة وعبدُ الله مريضٌ حينئذ، فقال عبد الله: أنا أتخلَّف عند أخوالي بني عَدِيِّ بنِ النَّجَّار، فأقام عندهم شهرًا مريضًا، أما أصحابه فانطلقوا مُكمِلين سَيْرَهم إلى مكَّةَ، فسألهم عبد المطَّلب عن ابنِه عبد الله، فقالوا: خلَّفناه عند أخواله بني عَديِّ بنِ النَّجَّار وهو مريضٌ، فبعث إليه عبد المطَّلب أكبرَ وَلَده الحارثَ.

عندما وصل الحارث إلى يثربَ وجد أخاه عبدَ الله قد توفِّي ودُفِن في دار النابغة، وهو رجل من بني عديِّ بن النجَّار، فرجع الحارث حزينًا على فقد أخيه الشابِّ إلى أبيه عبد المطَّلب، فأخبره الخبر الحزين بوفاة ابنه الأحبِّ إليه، فأثار النبأ الْمُفجِع الأسى في نفس الوالد الشيخ المفجوع في فقد أحبِّ أولاده إليه، وفي نفوس إخوته وأخواته وكلِّ من يعرفه، وأثار الخبر الحزين الأسى والألم والحسرة في نفس الزوجة التي كانت تَحلُم وتنتظر وتشتاق لرجوع زوجها الحبيب.

عُمر النبيِّ ﷺ عند وفاة أبيه:

هناك خلافٌ في عُمره ﷺ عند وفاة أبيه، فقيل: إنه كان جنينًا عُمرُه شهران في بطن أمِّه آمنة، وهو الذي ذكره شيخ كتَّاب السيرة ابن إسحاق، وتابعه عليه ابن هشام، وهو الرأيُ المشهور بين كتَّاب السِّيَر والمؤرِّخين، وكان عمر عبد الله حينئذ ثمانيَ عشْرةَ سنةً وقيل: كان خمسًا وعشرين سنةً، ويرى بعض العلماء أن والد النبيِّ ﷺ توفِّي بعد مولده ﷺ بشهرين وهو لا يزال في الْمَهد .

تَرِكة عبد الله لولده ﷺ:

ترك عبد الله لابنه ﷺ خمسةً من الإبل، وقطيعًا من الغنم، وجاريةً، هي أمُّ أيمنَ الحبَشَية، واسمها بَرَكةُ، حاضنتُه فيما بعدُ، وهذه الثروة، وإن لم تكن مَظْهَرَ ثَراء وسَعة، فهي كذلك لم تكن مظهر فَقْرٍ.

وقد أسلَمَتْ أمُّ أيمنَ في أوَّل الدعوة، وهاجرت إلى الحبشة، ثم هاجرت إلى المدينة، وقد زوَّجها رسول الله ﷺ زيدَ بنَ حارثةَ، فرُزِقَتْ منه ابنُها أسامةُ، وتوفِّيت في خلافة عثمانَ بنِ عفَّانَ، رضي الله عنهم أجمعين.


للاستزادة


  1. اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (1/ 69).
  2. السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (1/ 165).

اخترنا لكم


قبل الرسالة والنبوة نجاة والد النبيِّ ﷺ من الذبح
نجاة والد النبيِّ ﷺ من الذبح

لَمّا أراد عبد المطَّلب، جَدُّ النبيِّ ﷺ أن يَحفِر بئر زمزم، أحسَّ بالضَّعف لَمَّا تحدَّته قبائل قريش، حيث لم يكن لديه إلّا ابنه الحارث، فنذر لله تعال (...)

قبل الرسالة والنبوة شُهود النبيِّ ﷺ حربَ الفِجَار
شُهود النبيِّ ﷺ حربَ الفِجَار

حَرْبُ الفِجَار هي حرب شهيرة وقعت بين قُريش ومن معها من كِنانةَ من جهة، وقَيْسِ عَيْلانَ وأحلافِها من جهة، وسببُ تسميته بـ(يوم الفِجَار) ما حدَث فيه م (...)

قبل الرسالة والنبوة النسب الشريف للنبيِّ ﷺ
النسب الشريف للنبيِّ ﷺ

إن النبيَّ ﷺ هو خير أهل الأرض على الإطلاق نَسَبًا، فقد بلغ نَسَبُه من الشَّرف أعلى ذِرْوَةٍ، فأشرفُ القومِ قومُه، وأشرفُ القبائل قَبيلته، وأشرفُ الأفخ (...)

قبل الرسالة والنبوة أولاد النبيِّ ﷺ من السيدة خديجةَ
أولاد النبيِّ ﷺ من السيدة خديجةَ

من فضائل السيدة خديجة – رضي الله عنها – أنها قد اختارها الله تعالى لتكون والدةَ جميع أولاد النبيِّ ﷺ، (...)