وُلِد الرسول ﷺ في شهر ربيعٍ الأول، يوم الاثنين بلا خلاف، والأكثرون على أنه ليلةَ الثانيَ عشَرَ من ربيعٍ الأول .
وقال خليفة بن خياط: "والْمُجمَع عليه أنه - عليه السلام - وُلِد عامَ الفيل" .
روى أحمد (17891) والترمذيُّ (3619) عن قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ: "وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ، وُلِدْنَا مَوْلِدًا وَاحِدًا". واللِّدَان هما اللذان وُلِدا معًا.
وروى مسلم (1162) عن أبي قتادةَ الأنصاريِّ -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ "سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ - فِيهِ».
علامات ظهرت عند ولادته ﷺ:
1. ظهور نور من أمِّ النبيِّ ﷺ أضاءت منه قصور الشام: رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ (17163)، وابنُ حِبَّانَ (6404) والحَاكِمُ (3619) بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: "إنِّي عِنْدَ الله مَكْتُوبٌ بِخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وإنَّ آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ لَمُنْجَدِلٌ – أي: ملقى على الأرض - في طِينَتِهِ، وسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وبِشَارَةُ أخِي عِيسَى، ورُؤْيَا أُمِّي التِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ".
2. ظُهور النَّجْم: رَوَى ابنُ إسْحَاقَ في السِّيرةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: والله إنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ - شَارَفَ الاحْتِلَامَ ولم يَحْتَلِمْ بعدُ - ابنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ، أعْقِلُ كُلَّ مَا سَمِعْتُ، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرَخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أُطُمٍ - بنَاءٌ مُرتفعٌ كالحُصُونِ - بِيَثْرِبَ: يا مَعْشَرَ يَهُودَ، حتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ قَالَ: طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدَ الذِي وُلِدَ بِهِ .
علامات مشهورة عن ولادته ﷺ ولكنها غير صحيحة :
- لَمَّا وُلِدَ ﷺ ارْتَجَّ إيوانُ كِسرى.
- سَقَطت أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفةً من إيوان كسرى.
- خَمَدت النار التي كان يَعْبُدها المَجُوس.
- غاصت بُحَيْرةُ "سَاوَة"، وانْهَدَمت المعابدُ التي كانت حولَها.
- وغير ذلك من العلامات التي لم يصحَّ فيها شيء.
قال الغزاليُّ في "فقه السيرة" (ص 61، 62): "وهذا الكلام تعبير غَلَط عن فكرة صحيحة؛ فإنّ ميلاد محمد ﷺ كان حقًّا إيذانًا بزوال الظُّلم، واندثار عهده، واندكاك معالمه... فلمَّا أحبَّ الناسُ- بعد انطلاقهم من قيود الظُّلم- تصوير هذه الحقيقة، تخيَّلوا هذه الإرهاصاتِ، وأحدثوا لها الرواياتِ الواهيةَ، ومحمد ﷺ غنيٌّ عن هذا كلِّه؛ فإنّ نصيبه الضخم من الواقع المشرِّف يزهِّدنا في هذه الروايات وأشباهِها".
استقبال عبد المطَّلب لمولد حفيده ﷺ:
لما وضعتْه أمُّه آمنةُ، أرسلت إلى جَدِّه عبد المطَّلب بخبر مولد حفيده، فاستقبل عبد المطلب ميلاد حفيده باستبشار وفرح؛ فقد أطفأ بعضًا من نيران فراق ابنه الشاب الأحبِّ، ورأى فيه عوضًا عنه، وسارت المشاعر في طريقها إلى الوافد الجديد بدلًا عن أبيه الراحل، فبالغ في رعاية حفيده الذي وُلِد يتيمًا والعنايةِ به.
فمع أن النبيَّ ﷺ وُلِد يتيمًا، فإنه لم يَذُق قَهْر اليتامي، ولا ذُلَّ اليتيم؛ فقد سعى جَدُّه وأمُّه وكلُّ من حوله تعويضه عن فقد الأب.
وبدأ ﷺ حياته عزيز النفس، كريم الأصل، يصنعه الله على عَينه.