على عادة أهل مكَّةَ التمس عبد المطَّلب لرسول الله ﷺ الْمَراضع، حيث كانت عادتهم أنهم يؤثِرون إذا وُلِد لهم ولدٌ أن يلتمسوا له مُرْضِعةً من البادية، وكان رسول الله ﷺ يفتخر باسترضاعه في بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.
فالرَّضاعة مهمَّة جدًّا للطفل في تنشئته وتربيته، وكان العرب يهتمُّون باختيار الْمَراضع، وأقرَّهم الإسلام في ذلك، حتى إن الإسلام جعل الرضاعة مثل النَّسَب في المحرَّمات، فالطفل يلتحق بأسرة أمِّه في الرضاعه، فتصير أمَّه، ويصير زوجُها أباه في الرضاعة، وأولادها إخوتَه، وإخوتَها أخوالَه؛ وذلك لأن الطفل بهذا الرضاع قد أصبح جزءًا من هذه المرأة؛ لأن لبنها قد دخل في بناء جسمه، وتكوين أجزائه، فكانت له بمثابة الأمِّ التي ولدته، فحَرُمت عليه.
إن الأمَّ المرضعة تُشبه الأمَّ من حيث إنها سبب اجتماع بِنيَة الطفل وقيام هيكله، فإذا كان الرضاع يحقِّق الجزئية المادية بين الرضيع ومُرضِعته كما يحقِّق شيئًا من أعظم مظاهر الأمومة والحنان باحتضانها الطفل وإرضاعه من ثَدْيها، فهي بهذا كلِّه تستحقُّ أن تكون أمًّا له بهذا الرضاع، وما يتجلَّى به من مظاهر الأمومة والحنان.
لذا؛ كان اهتمامهم بانتقاء المراضع جليًّا، ونذكر بعض الأسباب التي جعلتهم يسترضعون أولادهم في البادية.
أسباب استرضاع أولادهم في البادية:
- لينشأ الطِّفل في الأعراب، فيكون أفصحَ للسانه.
- ليكون أجْلَدَ لجِسمه، وأجدرَ أن لا يُفارق ما يسمَّى (الهيئة الْمَعَدِّية)، ومَعَدُّ: هي قبيلة معروفة، وكان أهلها أهلَ غِلَظ وتقشُّف.
- حتّى يكون أنجبَ للولد وأصفى للذِّهن.
- ليمرح الأطفال في كَنَف الطبيعة، ويستمتعوا بجوِّها الطَّلق، وشعاعها المرسَل.
- البادية أقرب إلى تزكية الفِطرة، وإنماء الأعضاء والمشاعر، وإطلاق الأفكار والعواطف.
- حتّى تتَّسِق مدارك الطفل مع حقائق الكون الذي وُجِد فيه.
إقبال الْمَرَاضِع:
كان النساء المرضعات يأتين من البادية يلتمسن تربية أولاد الأشراف؛ بسبب القحط الشديد الذي يصيب البادية، والأشراف يلتمسون استرضاع أولادهم في البادية لما ذكرناه آنفًا.
وقد استرضع عبد المطَّلب لحفيده ﷺ امرأةً من قبيلة سعدِ بنِ بكرٍ، وهي حليمةُ بنتُ أبي ذُؤَيْبٍ السَّعديّة، وزوجُها الحارثُ بنُ عبد العُزَّى، المكنَّى بأبي كبشةَ، من قبيلة سعدِ بنِ بكرٍ أيضًا، وكان استرضاع النبي عندهم بركة عظيمة عرفوا قدرها كما سيأتي تفصيله.
