إبراهيم ابن النبيِّ ﷺ من مارية القبطية

عندما بعث رسول الله ﷺ الرُّسَل إلى الملوك، أرسل حاطبَ بنَ أبى بَلْتعةَ إلى الْمُقَوْقِس صاحب الإسكندرية، واسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَا، سنةَ سبع من الهجرة، فأهدى المقوقس إلى النَّبيِّ ﷺ ماريةَ القبطة وأختها شيرين، فاختار لنفسه مَارِيَةَ، وأما أختها شيرين فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ.

السيدة مارية القبطية أمُّ إبراهيمَ:

هِيَ مَارِيَةُ بنتُ شَمْعُونَ، أهْدَاهَا الْمُقَوْقِسُ صاحِبُ الإسْكَنْدَرِيَّةِ إلى رسول اللَّه ﷺ في سنة سبع من الهجرة، وكانت من قَرْيَةٍ بمِصْرَ يُقَالُ لها: (حَفْنٌ)، وَقَدْ وَضَعَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ الْخَرَاجَ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ إِكْرَامًا لَهَا؛ مِنْ أَجْل أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وكان رسول اللَّه ﷺ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ اليَمِينِ، وضربَ عليها معَ ذلكَ الحِجَابَ، فحَمَلَتْ منهُ، ووَضَعَتْ ابنَهُ ﷺ إبراهيمَ، ولما ولدت مارية لرسول الله ﷺ ابنه إبراهيم قال: «أَعَتقها ولدها»، وتُوُفِّيَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الخطاب -رضي اللَّه عنه- وذلك في المحرم سنة (16) هـ، وكان عمرُ يحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها، وصلَّى عليها عمرُ، ودُفنت بالبقيع.

دمع النبيِّ ﷺ على ابنه إبراهيم:

أخرج البخاريُّ (1303) ومسلم (2315) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ ﷺ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».

(ظئرًا): زوج مُرضِعته، وهي خولةُ بنتُ المنذر الأنصارية النجارية. (تَذرِفان) يجري دمعهما. (وأنت) تفعل كما يفعل الناس عند المصائب، (بأخرى) أتبع الدمعة بأخرى أو بالكلمة التي قالها بأخرى.

موت أبناء النبيِّ الذكور صغارًا في حياته:

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -وَلَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ- أَنْ لَا يَعِيشَ لَهُ ﷺ أَحَدٌ مِنَ الذُّكُورِ؛ حَتَّى لا يَكُونَ ذَلِكَ مَدْعَاةً لِافْتِتَانِ بَعْضِ النَّاسِ بِهِمْ، وَادِّعَائِهِمْ لَهُمُ النُّبُوَّةَ، فَأَعْطَاهُ الذُّكُورَ تَكْميلًا لِفِطْرَتِهِ البَشَرِيَّةِ، وقَضَاءً لِحَاجَاتِ النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَلئَلَّا يَنْتَقِصَ النَّبِيَّ ﷺ في كَمَالِ رُجُولَتِهِ شَانِئٌ، أَوْ يَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ مُتَقَوِّلٌ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ فِي الصِّغَرِ، وأَيْضًا لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ عَزَاءٌ وَسَلْوَى لِلذِينَ لا يُرْزَقُونَ البَنِينَ، أَوْ يُرْزَقُونَهُمْ ثُمَّ يَمُوتُونَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْنٌ مِنْ أَلْوَانِ الِابْتِلَاءِ، وأشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الأَنْبِيَاءُ، فَالْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ .

للاستزادة


  1. البداية والنهاية لابن كثير (5/ 324).
  2. السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنّة (1/ 224) للدكتور محمد أبو شهبة.

اخترنا لكم


قبل الرسالة والنبوة شَقُّ صدر النبيِّ ﷺ
شَقُّ صدر النبيِّ ﷺ

حَادِثَةُ شَقِّ صدره الشَّرِيفِ ﷺ:عَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رسُولَ الله ﷺ، فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أوَّلُ شَأْنِكَ يا (...)

قبل الرسالة والنبوة وفاة عبد المطلب جَدِّ النبيِّ ﷺ
وفاة عبد المطلب جَدِّ النبيِّ ﷺ

كَانَ النبيُّ ﷺ في كَفَالَةِ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فلَمَّا بَلَغَ ثَمَانِية أعوام، تُوُفِّيَ جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ.دُفِن عبد المطلب جد ال (...)

قبل الرسالة والنبوة خاتم النبوة في جسد النبي ﷺ
خاتم النبوة في جسد النبي ﷺ

هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قِطْعَةِ لَحْمٍ نَاتِئَةٍ، عَلَيْهَا شَعْرٌ عِنْدَ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ ﷺ، حَجْمُهَا قَدْرُ بَيْضَةِ الحَمَامَةِ، وهَذَا الخَاتَمُ الذِي يُعْرَفُ (...)

قبل الرسالة والنبوة النسب الشريف للنبيِّ ﷺ
النسب الشريف للنبيِّ ﷺ

إن النبيَّ ﷺ هو خير أهل الأرض على الإطلاق نَسَبًا، فقد بلغ نَسَبُه من الشَّرف أعلى ذِرْوَةٍ، فأشرفُ القومِ قومُه، وأشرفُ القبائل قَبيلته، وأشرفُ الأفخ (...)