قام النبيُّ ﷺ بأمر ربِّه مُنْذُ أَنْ تَلَقَّى قوله تعالى: ﴿{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} ﴾ [المدثر: 1، 2]، فقام يدعو النَّاسَ إلى عِبَادَةِ الله وحْدَهُ، يدعوهم إلى دين الإسلام الذِي أرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
مراحل الدعوة في حياة النبيِّ ﷺ:
تنقسم مراحل الدَّعْوَةُ في حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ مُنْذُ أن بعثه الله تعالى نبيًّا ورسولًا حتى موته ﷺ بِفَتْرَتَيْنِ متمايزتين، هما:
1 - الفتْرَةُ المَكِّيَّةُ: واسْتَمَرَّتْ ثلاثةَ عَشَرَ عامًا.
2 - الفترَةُ المَدَنِيَّةُ: واسْتَمَرَّتْ عَشَرةَ أعوامٍ.
مراحل الفترة المكية:
مرَّت الفترة المكِّيَّة بمرحلتين، هما:
1 - المرحلة الأولى: الدَّعْوَةُ السِّرِّيَّةُ، واسْتَمَرَّتْ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ.
2 - المرحلة الثانية: الدَّعْوَةُ جَهْرًا، واستمرَّت عشْرَ سنوات، من بداية العام الرابع للبَعْثَة، حتى الهِجْرَةِ إلى المدينة.
الحديث عن الدَّعْوَة السِّرِّية:
بَدَأ النبيُّ ﷺ يدْعُو إِلَى الإسْلَامِ سِرًّا حتى لا يهيِّج المشركين عليه، فَجَعَلَ يَعْرِض الإسْلامَ عَلَى أَلْصَقِ الناسِ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وأصْدِقَائِهِ، ويَعْرِضُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتَوَسَّمُ فِيهِ خَيْرًا مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ بِحُبِّ الحَقِّ، وَالخَيْرِ، ويَعْرِفُونَهُ بِالصِّدْقِ والصَّلَاحِ.
فبدأ رسول الله ﷺ بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، والتحذير من الشرك به سبحانه، كما فعل الأنبياء قبله؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}﴾ [النحل:36]، ويدعوهم للإيمان باليوم الآخر، وما فيه من بعث وحساب للخلائق؛ ﴿{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}﴾ [النجم: 31]، وأخذ النبيُّ ﷺ يعلِّم أصحابه الكتاب والحكمة ويزكِّيهم ويدعوهم إلى الحق والخير؛ قال تعالى: ﴿{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}﴾ [الجمعة: 2].
مثال من دعوة النبيِّ ﷺ السرية:
أخرج مسلم (1/ 569) عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قال: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ مُسْتَخْفِيًا، جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ»، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي اللهُ»، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ، قَالَ: «أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ»، قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: «حُرٌّ، وَعَبْدٌ»، قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ؟ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي»، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَكُنْتُ فِي أَهْلِي، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ، حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ"