بدء الدعوة السرية

بعد نزول قوله تعالى: ﴿{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}﴾ [المدثر: 1، 2] على النبيِّ ﷺ، قام يدعو إلى الله وإلى الإسلام سِرًّا، وكان طبَعيًّا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وألصق الناس به.

إسْلَامُ السيدة خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

كانت السيدة خديجةُ بنتُ خُويلدِ بنِ أَسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ، زوجة النبيِّ ﷺ وسيِّدة نِسَاءِ العالمين في زَمَانها، رحمةً للنبيِّ ﷺ، خَفَّفَ اللَّه بها عن رسوله ﷺ الشدائد، فكانت تعمل بكل وُسعها للوقوف مع النبيِّ ﷺ والتخفيف عنه، وتهوين أمر الناس عليه، وهي ممن كَمُل من النِّساء، وقد تزَّوجها النبيُّ ﷺ قبلَ البَعْثَةِ بخمسَ عشْرَةَ سَنَةً.

السيدة خديجة أول الناس إسلامًا على الإطلاق:

كانت السيدة خديجة بِنْتُ خُوَيْلِدٍ – رضي الله عنها - أوَّلَ من آمنَ مِنَ النِّسَاء بالله ورسوله ﷺ، وصَدَّق بما جاء به؛ بَلْ إنها أوَّلُ مَنْ آمنَ بالله ورسوله ﷺ عَلَى الإطْلَاقِ، وقد آمَنَتْ خدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ – رضي الله عنها - بالنبيِّ ﷺ، وصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ، وآزَرَتْه عَلَى أمْرِهِ، فكانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وبِرَسُولِهِ، وصدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ، فخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ، فكان رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عليْهِ، وتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إِلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إِذَا رَجَعَ إِلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وتُصَدِّقُهُ وتُهَوِّنُ علَيْهِ أمْرَ النَّاسِ؛ ما يدلُّ علي قوة يَقِينِها، ووفُورِ عَقْلِها، وصِحَّة عَزْمِها، فقد كانت عاقِلَةً جَلِيلةً دَيّنة مصونةً كَرِيمَةً، وهي من أهل الجنة، وهي أوَّل مَنْ تزوَّجها النبيُّ ﷺ، ولَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، حتَّى مَاتَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وكان النبيُّ ﷺ يُثنِي عليها، ويُفَضِّلُهَا على سائر أمَّهَات المؤمنين، ويُبَالِغُ في تَعْظِيمِهَا، وكانت تُسَمَّى في الجاهلية (الطَّاهرة)، وكانت مُوسِرَةً، ووَلَدت من رسول الله ﷺ أولادَه كُلَّهم، إلا إبراهيمَ فقط.

قَالَ ابنُ الأثِيرِ في "أُسد الغابة" (5/ 260): "خَدِيجَةُ أوَّل امرأة تزوَّجها، وأوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أَسْلَمَ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، لمْ يَتَقَدَّمْهَا رَجُلٌ ولا امْرَأَةٌ".

وَقَالَ ابن حجر في الإصَابَةِ (8/ 99): "خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجُ النبيِّ ﷺ، وأوَّلُ مَنْ صَدَّقَتْ ببعْثَتِهِ مُطْلَقًا".

سلام الله على السيدة خديجة:

روى البخاريُّ (3820) ومسلم (2432) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ، أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ". والصخب: هو الصوت المختلط المرتفع، والنصَب: هو المشقَّة والتعّب.

إسلام بَنَات النَّبِيِّ ﷺ:

وأَمَّا بَنَاتُهُ ﷺ فكُلُّهُنَّ أدْرَكْنَ الإِسْلَامَ، فأسْلَمْنَ وهَاجَرْنَ مَعَهُ ﷺ؛ فقد كنَّ يتمسَّكن قَبْلَ البَعْثَةِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أبُوهُنَّ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ، وحُسْنِ السِّيرَةِ، والتَّنَزُّهِ عمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنْ عِبَادَةِ الأصْنَامِ، والوُقُوعِ في الآثَامِ، وباقْتِدَائِهِنَّ بِأُمِّهِنَّ في المُسَارَعَةِ إلى الإِيمَانِ.


للاستزادة


  1. سيرة ابن هشام (1/ 277).
  2. أسد الغابة (5/ 260).

اخترنا لكم


أطلس الدعوة بدء الدعوة السرية
بدء الدعوة السرية

بعد نزول قوله تعالى: ﴿{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}﴾ [المدثر: 1، 2] على النبيِّ ﷺ، قام يدعو إلى الله وإلى الإسلام سِرًّا، وكان طبَعي (...)

أطلس الدعوة الدعوة السرية
الدعوة السرية

قام النبيُّ ﷺ بأمر ربِّه مُنْذُ أَنْ تَلَقَّى قوله تعالى: ﴿{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} ﴾ [المدثر: 1، 2]، فقام يدعو النَّاسَ إلى عِب (...)

أطلس الدعوة انطلاق أبي الصديق للدعوة إلى الإسلام
انطلاق أبي الصديق للدعوة إلى الإسلام

بمجرَّد أن أسلم أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – حمل همَّ الدعوة، وقام يبلِّغ دعوة الإسلام إلى أصحابه ومعارفه، الذين يألفونه، ويعرفون قَدْره، وحُسن خُل (...)

أطلس الدعوة دعوة النبي ﷺ لأبي بكر الصديق
دعوة النبي ﷺ لأبي بكر الصديق

أبو بكر الصديق اسمه عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ، كان لَقَبُ (...)