الكعبة المشرَّفة هي أَوَّلُ بَيْتٍ بُنِيَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الأَرْضِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِين}﴾ [آل عمران: 96]، وأخرج البخاريُّ (3366) ومسلم (520) عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ"، وإن أول من بنى الكعبة إبراهيمُ وولدُه إسماعيل - عليهما السلام - قال تعالى: ﴿{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}﴾ [البقرة: 127].
والحجر الأسود هو أشرف أجزاء الكعبة، وهو حجر من الجنة؛ روى الترمذيُّ (877) وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ".
وأخرج البخاريُّ (1597) ومسلم (1270): عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ".
مشاركة قريش جميعًا في بناء الكعبة:
كان بناء الكعبة حدثًا عظيمًا، حرصت كل قبائل قريش لنيل هذا الشرف، المشاركة في بناء الكعبة، واتَّفقت قريش على أن يخصِّصوا لكل قبيلة جزءًا من الكعبة تقوم عليه وتجمع حجارته، فكَانَ جانب البَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وزُهْرَةَ، وكَانَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ اليَمَانِيِّ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَمُّوا إِلَيْهِمْ، وكَانَ ظَهْرُ الكَعْبَةِ لِبَنِي جُمَحَ وسَهْمٍ ابْنَيْ عَمْرِو بنِ هَصِيصِ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، وكَانَ جانب حِجْرِ إسماعيل لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيٍّ، ولبَنِي أَسَدِ بنِ العُزَّى بنِ قُصَىٍّ، ولبَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ.
تنازُع القبائل:
لَمَّا بلغ البُنْيان موضع الحجر الأسود، اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، فَكُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَحْظَى بِهَذَا الشَّرَفِ، واستمرَّ النزاع أربع ليالٍ أو خمسًا، واشتدَّ حتى كادت الحرب تشتعل بينهم في أرض الحرم، إلَّا أن أبا أُمَيَّةَ بنَ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيَّ، وَالِدَ أمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكَانَ عَامَئِذٍ أَسَنَّ رَجُلٍ في قُرَيْشٍ، عَرَض عليهم أن يحكِّموا بينهم فيما اختلفوا فيه أوَّلَ داخل عليهم من باب المسجد، فَرَضُوا، وقَبِلُوا جميعًا هَذَا الرَّأْيَ.
النبيُّ ﷺ يَحكُم بين القبائل :
شاء الله تعالى أن يكون النبيُّ ﷺ هو الحكمَ بينهم، الذي يقضي على هذا الشرِّ المستطير، فظلُّوا ينظرون إلى بَابِ المَسْجِدِ ينتظرون الداخل، فَإِذَا بهِ الصَّادِقُ الأَمِينُ ﷺ، فَلَمَّا رَأَوْهُ هتفوا: هَذَا الأَمِينُ، رَضِينَاه، هَذَا مُحَمَّدٌ.
فلما انتهى إليهم، أخبروه الخبر، فأعطاهم الحلَّ العظيم، فطلب رداءً، ثم أخذ الحجر الأسود فوضعه بيده الشريفة ﷺ، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يُمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه، أخذه بيده الشريفة ﷺ، فوضعه في مكانه، ثُمَّ بُنِيَ عَلَيْهِ، فدفع النبيُّ ﷺ الحَرْبَ عَنْ قُرَيْشٍ بِحِكْمَةٍ بالغة، فكان رحمةً لهم، كما كان دائمًا رحمةً للعالمين.