الاستدلال بحُسن خُلقه ﷺ على نبوَّته

كان النبيُّ ﷺ مجبولًا على الأخلاق الحميدة في أصل خِلْقَتِه، وَأَوَّلِ فِطْرَتِهِ، بِجُودٍ إلَهِيٍّ، وخُصُوصِيَّهٍ رَبَّانِيَّةٍ،

فكان ﷺ وَصُولًا للرَّحِمِ، عَطُوفًا عَلَى الفُقَرَاءِ وذَوِي الحَاجَةِ، ويَقْرِي الضَّيْفَ، ويُعِينُ الضَّعِيفَ، ويَمْسَحُ بِيَدَيْهِ بُؤْسَ البَائِسِينَ، ويُفَرِّجُ كَرْبَ المَكْرُوبِينَ.

الاستدلال بحُسن خُلقه:

في بَدْء الوحي عندما خاف النبيُّ ﷺ على نفسه، استدلَّت زوجته أُمُّ المُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بأخلاقه على أن ذلك خير؛ فقالت: "كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" أخرجه البخاريُّ (3) ومسلم (160).

لقد كانت حيَاة النَّبِيِّ ﷺ أمثلَ حياة وأكرمَها، وأحفَلَها بمعاني الإنسانية، والشَّرَف، والكرامة، وعَظَمة النفس، ثم نبَّأه الله وبعثه، فنَمَت هذه الفضائل وترعرعت، وما زالت تسمو فروعها، وتَرسُخ أصولها، وتتَّسِع أفياؤها حتى أضحت فريدةً في تاريخ الإنسان في هذه الدنيا.

إن هذه الحياة الفاضلة الْمُثلى لَمِن أكبر الدلائل على ثبوت نبوَّته ﷺ، فما سمعنا في تاريخ الدنيا قديمها وحديثها، أن حياة كلَّها فَضْل وكمال، وهدى ونور، وحقٌّ وخير، كحياة نبيِّنا محمد ﷺ، ولم يُعهَد في تاريخ البشر أن شخصًا يسمو على كلِّ مجتمَعه وهو يعيش فيه، وينشأ مبرَّأً من كلِّ نقائصه ومَثالبه، وهو نابع منه، ولا أن نورًا ينبعث من وسط ظُلمات، ولا طهارةً تَنبَع من وسط أدناس وأرجاس، ولا أن عِلْمًا يكون من بين جهالات وخُرافات، اللهمَّ إلَّا إذا كان ذلك لحِكمة، وأمرًا جرى على غير المعهود والمألوف، وما ذلك إلا لإعداد النبيِّ للنبوَّة" .

أمانة النبيِّ ﷺ:

كَانَ النبيُّ ﷺ مَعْرُوفًا بالأَمَانَةِ، وكان مَحَلَّ ثِقَةِ النَّاسِ وأمَانَاتِهِمْ، لا يَأْتَمِنُهُ أَحَدٌ عَلَى وَدِيعَةٍ مِنَ الوَدَائِعِ إِلَّا أدَّاهَا لَهُ، ولا يَأْتَمِنُهُ أَحَدٌ عَلَى سِرٍّ أَوْ كَلامٍ إِلَّا وَجَدَهُ عِنْدَ حُسْنِ الظَّنِّ بهِ، حتى إن قُريشًا أطلقت عليه قَبْلَ النُّبُوَّةِ (الأمِين).

صدق النبيِّ ﷺ:

 كَانَ النبيُّ ﷺ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ، وَكَانَ الصِّدْقُ مِنْ صِفَاتِهِ ﷺ البَارِزَةِ، شَهِدَ لهُ بِذَلِكَ العَدُوُّ والصَّدِيقُ، ولمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلى النَّاسِ جَمِيعًا، وأمَرَهُ أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الأقْرَبِينَ، صارَ يُنَادِي بُطُونَ قُرَيْشٍ، وأقرُّوا بصدقه قبل أن يُخبرهم برسالته.

أخرج البخاريُّ (4770) ومسلم (208) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ، أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَنَزَلَتْ: ﴿{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}﴾ [المسد: 1، 2].

ولمَّا قَالَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ لِأَبِي سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ -وَكَانَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا-: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا، فقَالَ هِرَقْلُ: فَقَدْ عَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، ويَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. أخرجه البخاريُّ (7) ومسلم (1773).


للاستزادة


  1. السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة لشهبة (1/ 239)
  2. الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (1/ 89).

اخترنا لكم


إرهاصات النبوة البشارات بالنبيِّ ﷺ
البشارات بالنبيِّ ﷺ

البشارة بالنبيِّ ﷺ مذكورة في الكتب المنزَّلة السابقة، وبشَّر به الأنبياء، وعندما اقتربت بعثة النبيِّ ﷺ زادت البشائر، وتحدَّث بها (...)

إرهاصات النبوة عِصْمةُ النبيِّ ﷺ قبل البعثة
عِصْمةُ النبيِّ ﷺ قبل البعثة

لقد عصم الله تعالى نبيَّه ﷺ قبل بعثته، وكان ﷺ مَصُونًا عَمَّا يُسْتَقْبَحُ، فلم يشرب خمرًا قطُّ، ولا اقترب من فاحشة، ولا انغمس فِيمَا كَانَ يَنْغَمِسُ (...)

إرهاصات النبوة حُكم النبيِّ ﷺ في وضع الحجر الأسود
حُكم النبيِّ ﷺ في وضع الحجر الأسود

الكعبة المشرَّفة هي أَوَّلُ بَيْتٍ بُنِيَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الأَرْضِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ (...)

إرهاصات النبوة حياة النبيِّ ﷺ الفاضلة قبل البعثة
حياة النبيِّ ﷺ الفاضلة قبل البعثة

لقد صنع الله تعالى رسوله ﷺ على عَينه، فظَلَّتْ حياته ﷺ قبل البعثة حياةً فاضلة شريفة، لم تُعرَف له فيها (...)