أحداث رحلة الإسراء والمعراج بالنبي ﷺ

لقد تعدَّدت روايات رحلة الإسراء والمعراج في السيرة والأحاديث النبوية الصحيحة، وليس هناك حديث واحد يجمع ما ورد من أحداث خلال هذه الرحلة المباركة؛ وإنما هناك أحاديثُ كلٌّ منها يُشِير إلى جزء أو جانب.

تواتر حادثة الإسراء والمعراج:

قال السيوطيُّ في الخصائص الكبرى (1/ 252): "اعلم أن الإسراء ورد مطوَّلًا ومختصرًا من حديث أنس، وأُبَيِّ بن كعب، وبُرَيْدَةَ، وجابر بن عبد الله، وحذيفة بن اليمان، وسَمُرة بن جُنْدُبٍ، وسهل بن سعد، وشدَّاد بن أوس، وصُهَيب، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن مسعود، وعبد الله بن أسعد بن زرارة، وعبد الرحمن بن قُرْط، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، ومالك بن صعصعة، وأبي أُمَامَة، وأبي أيُّوب الأنصاريِّ، وأبي حبَّة، وأبي الحمراء، وأبي ذَرٍّ، وأبي سعيد الخدري، وأبي سفيان بن حرب، وأبي ليلى الأنصاري، وأبي هريرة، وعائشة وأسماء بنتَيْ أبي بكر، وأم هانئ، وأم سلمة – رضي الله عنهم".

وقد عدَّ الإمام القسطلاني في المواهب اللدنِّيَّة ستَّة وعشرين صحابيًّا وصحابيَّة رَوَوْا حديث الإسراء والمعراج.

لذا؛ فإن حديث الإسراء والمعراج متواتر، وقد نصَّ القرآن الكريم عليه في سورتَيِ الإسراء والنجم.

وصف ملخَّص ما حدث في رحلة الإسراء والمعراج:

نذكر ملخَّصًا مختصرًا لقصة الإسراء والمعراج كما ورد في الحديث المطوَّل في الصحيحين عن مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ:

  •  أُسرِيَ برسول الله ﷺ ليلًا من المسجد الحرام في مكَّةَ المكرَّمةِ إلى المسجد الأقصى ببيت المَقدِس بفِلَسطينَ، راكبًا على البُراق، يَصحبُه جبريلُ - عليه السلام - فنزل هناك.
  •  البُراق: دَابَّةٌ، أَبْيَضُ، طويلٌ، دُونَ البَغْل، وفَوْقَ الحِمار، يَضَعُ حافرَه عند مُنتهى طَرْفه؛ أي: حيث يَصِل بَصَرُه.
  •  رَبَط البُراق بحَلْقة باب المسجد، فوَجَد الأنبياءَ قد جُمِعوا له، فقدَّم جبريلُ - عليه السلام - الرسولَ ﷺ وصلَّى بالأنبياء إمامًا.
  •  بعد أن فَرَغ النبيُّ ﷺ من صلاته بالأنبياء، جاءه جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاختار اللبن، فقال جبريل: اخترتَ الفِطْرة.
  •  ثم عُرِج به تلك الليلةَ من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتَح له جبريلُ، ففُتِح له، فرأى هنالك آدمَ أبا البشر، فسلَّم عليه، فردَّ عليه السلامَ، ورحَّب به.
  •  ثم عُرج به إلى السماء الثانية، فرأى فيها يحيى وعيسى.
  •  ثُمَّ عُرج به إلى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسفَ.
  •  ثم إلى الرابعة، فرأى فيها إدريسَ.
  •  ثم إلى الخامسة، فرأى فيها هارونَ بنَ عِمرانَ.
  •  ثم إلى السادسة، فلَقِيَ فيها موسى بنَ عِمرانَ، فلما جاوَزَه بكى، فقيل له: ما يُبكيكَ؟ قال: أبكي لأن غُلامًا بُعِث مِن بَعدي يَدخُل الجنَّةَ من أُمَّته أكثرَ مما يَدخُلها من أمَّتي.
  •  ثم عُرج به إلى السماء السابعة، فلَقِيَ فيها إبراهيمَ فسلَّم عليه، ورحَّب به.
  •  ثم رُفِع إلى سِدْرة الْمُنتهى، ثم رُفع له البيتُ الْمَعمور، ثم عُرج به إلى الجبَّار - جل جلاله - فدَنا منه، ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: 9، 10].
  •  وفَرَض الله تعالى عليه خمسين صلاةً، فرَجَع حتى مرَّ على موسى فقال له: بِمَ أُمرتَ؟ قال: بخمسين صلاةً، قال: إن أمَّتك لا تُطيق ذلك، ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف لأمَّتك، فالتفت إلى جبريلَ كأنه يَستشيره في ذلك، فأشار أن نَعَمْ إن شئتَ، فعَلا به جبريلُ حتى أتى به الجبَّارَ - تبارك وتعالى - وهو في مكانه، فوضع عنه عشْرًا، ثم أُنزل حتى مرَّ بموسى فأخبره، فقال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف، فلم يَزَل يتردَّد بين موسى وبين الله - عزَّ وجلَّ - حتى جعلها خمسًا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: قد استحييتُ من ربِّي؛ ولكن أرضى وأسلِّمُ، فلمَّا بَعُد نادى منادٍ: قد أمضيتُ فريضتي، وخفَّفتُ عن عبادي.

روى البخاري ومسلم عن مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "بَيْنَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ - وَذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ - فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنَ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقَالا: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ: قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا الغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنَ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلالُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا، كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ، فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَاتُ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ، فَرَجَعْتُ، فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا، فَقَالَ مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِيَ إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرًا".

للاستزادة


  1. المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلانيِّ (2/ 426).
  2. الخصائص الكبرى للسيوطيِّ (1/ 252).

اخترنا لكم


دلائل النبوة نشأة النبي ﷺ وتصرُّف الأحوال به حتى جاءه الوحي
نشأة النبي ﷺ وتصرُّف الأحوال به حتى جاءه الوحي

نشأ النبيُّ ﷺ مجبولًا على الأخلاق الحميدة في أصل خِلْقَتِه، وَأَوَّلِ فِطْرَتِهِ، بِجُودٍ إلَهِيٍّ، وخُصُوصِيَّهٍ رَبَّانِيَّةٍ، فقد حبا الله تعالى نب (...)

دلائل النبوة ما سُمع من الجنّ والكهّان بالإخبار عن نبوّته ﷺ
ما سُمع من الجنّ والكهّان بالإخبار عن نبوّته ﷺ

لقد مهَّد الله تعالى لبعثة نبيِّه ﷺ بإرهاصات وعلامات منذ ولادته، ولَمَّا كان قُبيل بعثته ﷺ ترادفت عليه علامات نبوَّته وتكاثرت، وحدَّث بها الكهَّان بم (...)

دلائل النبوة التقاء النبي ﷺ بالأنبياء بأرواحهم أم مع أجسادهم؟
التقاء النبي ﷺ بالأنبياء بأرواحهم أم مع أجسادهم؟

لقد التقى النبيُّ ﷺ بالأنبياء في رحلة الإسراء والمعراج، حيث أمَّهم في الصلاة بالمسجد الأقصى، ثم التقى أثناء عروجه إلى (...)

دلائل النبوة وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ

لقد خلق الله تعالى الإنسان وأوكله إلى نفسه، فيعتريه النقصُ دائمًا، ولا يمكن أن يبلغ درجة الكمال البشريِّ في الأفعال والأخلاق، إلا النبيَّ محمدًا ﷺ دون (...)