صبره ﷺ

لقد كانت حياة النبيِّ ﷺ كلُّها صبرًا لا ينقطع، وجهادًا ومجاهدة، وعملًا دائبًا، منذ أن نزلت عليه أوَّل آية، وحتى آخر لحظة في حياته، لذا؛ فالحديث عن صبره ﷺ هو في حقيقة الأمر حديث عن حياته كلِّها، وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها.

صبرُ النبيِّ ﷺ وصبرُ الأنبياء:

لقد قصَّ الله تعالى على رسوله ﷺ صبر الأنبياء - عليهم السلام – من قَبْلِه؛ للتأسِّي بهم؛ فقال: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [الأنعام: 34]، وقصَّ عن صبر بعض الأنبياء؛ مثل: أيوبَ وضُرِّه، وإسماعيلَ وهو يقدَّم للذبح، وصبر يعقوب على فقد ولده، وصبر يوسفَ على ما ناله من البلاء العظيم، وقد ابتُلي رسول الله ﷺ بجميع ما قصَّه الله تعالى في كتابه من أنواع الابتلاءات التي ابتُلي بها الرسل، وبما هو أشدُّ منها، فتحمَّل في سبيل الله تعالى أنواع الأذى، وصبر صبرًا جميلًا.

لقد أدرك ﷺ طبيعة ما سيُصيبه منذ بَدْء بعثته، حيث ذهبت به خديجة - رضي الله عنها - إلى ورقةَ بنِ نَوْفلٍ، الذي قال له: يا ليتني كنت حيًّا إذ يُخرجك قومك، فقال له ﷺ: (أوَمُخرِجيَّ هم؟)، قال: نعم، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودي. رواه البخاريُّ ومسلم.

فصارت حياته ﷺ مَلْأى بالابتلاءات حتى آخر لحظة في حياته، فصبر صبرًا جميلًا، لا سخط فيه، ولا جزع، ولا شكاية.

الآيات تتنزَّل بالصبر:

لقد كانت الآيات تتنزَّل عليه ﷺ تُخاطبه بالصبر، ويكفي تأمُّل هذه الآيات لنَعلَم مقدار البلاءات التي عاناها خلال دعوته إلى الله تعالى، والصبر عليها؛ كما في قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109]، {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين} [هود: 49]، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} [هود: 115]، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127]، {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } [الروم: 60]، {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَق} [غافر: 55]، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل} [الأحقاف: 35]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]، {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 5 - 7]، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]، {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر} [المدثر: 7]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24].

حياة النبيِّ ﷺ صبر:

لقد كانت حياة النبيِّ ﷺ كلُّها صبرًا لا ينقطع، وجهادًا ومجاهدة، وعملًا دائبًا، منذ أن نزلت عليه أوَّل آية، وحتى آخر لحظة في حياته، لذا؛ فالحديث عن صبره ﷺ هو في حقيقة الأمر حديث عن حياته كلِّها، وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها.

فمن ذلك صبره ﷺ على الطاعة، فكان يجتهد في العبادة والطاعة حتى تتفطَّر قدماه من طول القيام، ويُكثر من الصيام والذِّكر وغيرها من العبادات، ثم يقول: (أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!) رواه البخاريُّ ومسلم

وصبره ﷺ على إيذاء الكفَّار؛ فقد أُوذي النبيُّ ﷺ أذًى شديدًا من الكفَّار، فصَبَر، ولم يتعجَّل هلاكهم، ولم يدعُ عليهم بالاستئصال؛ بل إنه سأل الله تعالى أن يُخرِج من أصلابهم من يوحِّد الله تعالى، ولا يُشرك به شيئًا.

وصبره ﷺ على إيذاء المنافقين، حتى بعدما خاضوا في عرضه ﷺ وصبر عليهم مع أنه يعلمهم أشخاصًا بأعينهم؛ حتى لا يُقال: إن محمدًا يقتل أصحابه، وعاملهم بظاهرهم.

وصبره ﷺ على إيذاء وغلظة بعض المسلمين، وخاصَّةً بعضَ الأعراب من المسلمين، كما صبر ﷺ على إيذاء بعض أصحابه؛ مثل: مِسْطَحٍ وغيره ممن خاض في عِرضه في حادثة الإفك وتأثَّر بحديث المنافقين.

وكذلك صبره ﷺ على المرض، وصبره ﷺ على موت الحبيب والولد، فصبر على موت عمِّه أبي طالب دون أن يُسلِم، وعلى موت زوجته خديجة - رضي الله عنها – وعلى قتل عمِّه حمزةَ - رضي الله عنه - وتوفِّي أولاده كلُّهم في حياته إلا فاطمةَ - رضي الله عنها - وصبره ﷺ على الفقر وقلَّة ذات اليد، وشظف العيش، وألم الحرمان، وقرص الجوع، مع أنه كان يستطيع أن يعيش في رغد من الدنيا، خاصة بعد الغزوات وغنائمها.

فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على إمام الصابرين.

للاستزادة


  1. السيرة النبوية لابن هشام (2/ 201).
  2. السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة لأبي شُهبة (1/293).

اخترنا لكم


الصبر صبر النبيِّ ﷺ على إيذاء الكفار
صبر النبيِّ ﷺ على إيذاء الكفار

لقد علم النبيُّ ﷺ ما ينتظره من صبر ومصابرة، وجهد ومشقَّة، في سبيل تبليغ رسالته، منذ بَدْء نزول الوحي عليه؛ حين قال ورقةُ بنُ نوفلٍ للنبيِّ ﷺ حين ذهبت (...)

الصبر صور من صبر النبي ﷺ
صور من صبر النبي ﷺ

لقد أدرك ﷺ طبيعة ما سيُصيبه منذ بَدْء بعثته، حيث ذهبت به خديجة - رضي الله عنها - إلى ورقةَ بنِ نَوْفلٍ، الذي قال له: يا ليتني كنت حيًّا إذ يُخرجك قومك (...)