أمانته ﷺ

كان النبيُّ ﷺ الأسوةَ الحسنة، وكان مثالًا يُحتذى به في الأمانة، وهي صفة من أعظم الصفات التي اتَّصف بها الأنبياء والرسل - عليهم السلام - وقد تجلَّت أمانته ﷺ في جميع جوانب حياته، قبل بعثته بالرسالة وبعدَها.

أمانته ﷺ قبل البَعْثة:

كان النبي ﷺ يتمتَّع بسُمعة طيِّبة في مكَّةَ قبل البعثة، وكان الناس يثقون به ويأتمنونه على أموالهم وودائعهم، وقد اشتُهر بصدقه وأمانته، حتى أنهم كانوا يلقِّبونه قَبلَ بَعثتِه ﷺ بالصادق الأمين، والمواقِفُ التي تدُلُّ على أمانتِه ﷺ قَبلَ البعثةِ كثيرةٌ.

وقد كان من أسبابِ زواجِه ﷺ بالسيدة خديجةَ - رَضِيَ اللهُ عنها - شُهرتُه بالأمانةِ؛ فقد تاجَرَ ﷺ في مالِ خديجةَ قَبلَ البعثةِ، فلَمَّا رأت السيدة خديجة - رضي الله عنها - عِظَم أمَانَةِ النبيِّ ﷺ، وحُسْنَ أخْلاقِهِ، وصِدْقَ حَدِيثِهِ، أَحَسَّتْ أَنَّهَا وَجَدَتْ ضَالَّتَهَا المَنْشُودَةَ فِيهِ ﷺ، فَحَدَّثَتْ صَدِيقَتها نَفِيسَةَ بِنْتَ مُنَيَّةَ بما في نفسها، فَذَهَبَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ، فَرَضِيَ ﷺ بِذَلِكَ.

ولشُهرتِه ﷺ بالأمانةِ كانت قُرَيشٌ تستودِعُه أموالَها ثقةً به ﷺ مع إصرارِها على الكُفرِ، لذا؛ يذكُرُ أصحابُ السِّيَرِ أنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا خرج للهجرةِ أمرَ عليًّا أن يتخَلَّفَ بمكَّةَ حتَّى يؤدِّيَ عنه الودائِعَ التي كانت عندَه للنَّاسِ، وكان رسولُ اللهِ ﷺ ليس بمكَّةَ أحَدٌ عِندَه شيءٌ يخشى عليه إلَّا وضعه عندَه؛ لِما يعلَمُ مِن صِدقِه وأمانتِه ﷺ.

أمانته ﷺ بعد النبوة:

بعد أن بُعث النبي ﷺ، أخذ يحثُّ في كثير من الأحاديث النبوية على الأمانة، ووجوب التحلِّي بها، وأن الأمانة من أفضل الأعمال التي تقرِّب العبد إلى ربِّه، وكان ﷺ قدوةً حسنة في ذلك؛ فقد أدَّى الرَّسولُ ﷺ الأمانةَ الكُبرى - وهي الرِّسالةُ - أعظَمَ ما يكونُ الأداءُ، وتحمَّل في سبيلِها أعظَمَ أنواعِ المشقَّة.

وقد شَهِدت له ﷺ أمَّتُه بتبليغِه، وأدائِه الأمانةَ، واستنطقَهم بذلك في أعظَمِ المحافِلِ في خُطبتِه يومَ عَرَفةَ في حَجَّةِ الوداعِ، وقد كان هناك من أصحابِه نحوُ أربعين ألفًا أو أكثَرُ، فقد أخرج مسلمٌ من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عنهما- الطَّويلِ، وفيه: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ((وأنتم تُسأَلون عنِّي، فما أنتم قائِلون؟)) قالوا: نَشهَدُ أنَّك قد بلَّغْتَ وأدَّيتَ ونصَحْتَ، فقال بإصبَعِه السَّبَّابةِ، يرفَعُها إلى السَّماءِ ويَنكُتُها إلى النَّاسِ: ﴿((اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ، ثلاثَ مَرَّاتٍ)).﴾

وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: "كان على رسولِ اللهِ ﷺ ثوبانِ قِطْرِيَّانِ غليظانِ، فكان إذا قعَد فعَرِق ثَقُلا عليه، فقَدِم بَزٌّ من الشَّامِ لفلانٍ اليهوديِّ، فقُلتُ: لو بعَثْتَ إليه، فاشتَرَيتَ منه ثوبينِ إلى الميسَرةِ، فأرسَلَ إليه، فقال: قد عَلِمْتُ ما يريدُ، إنما يريدُ أن يذهَبَ بمالي أو دراهمي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «كَذَبَ، قَدْ عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ، وَآدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ» رواه الترمذي والنسائي وأحمد؛ أي: أشَدُّهم أداءً للأمانةِ، وأقضاهم للدَّينِ على ما يقتَضيه الدينُ.

شهود أعداء النبي ﷺ له بالأمانة:

لقد شَهِد له ﷺ بالأمانةِ كلُّ من عَرَفه، حتَّى أعداؤه، ومن الأمثلةِ على ذلك: ما جاء في حِوارِ أبي سفيانَ - قبلَ إسلامِه - وهِرَقْلَ؛ حيثُ قال هِرَقْلُ: "سألتُك: ماذا يأمُرُكم؟ فزعَمْتَ أنَّه أمَركم بالصَّلاةِ والصِّدقِ، والعَفافِ والوفاءِ بالعهدِ وأداءِ الأمانةِ"، قال: وهذه صِفةُ نَبيٍّ. رواه البخاري ومسلم، وفي موضِعٍ آخَرَ يقولُ هِرَقْلُ: "وسألتُك: هل يَغدِرُ؟ فزعَمْتَ أنْ لا، وكذلك الرُّسُلُ لا يَغْدِرون" رواه البخاري.


للاستزادة


  1. سيرة ابن هشام (1/ 226).
  2. فتح الباري لابن حجر (13/ 418).

اخترنا لكم


الأمانة النبي ﷺ يعلمنا خلق الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا خلق الأمانة

قال الله تعالى: ﴿{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا صورًا من الأمانة
النبي ﷺ يعلمنا صورًا من الأمانة

الأمانة لغة: الوفاء، والأمانة ضد الخيانة. والأمانة في الشرع لها معنيان: معنى عامٌّ وآخر خاصٌّ.والواجب في الأمانات العامة والخاصة أن تُحفَظ وتؤدَّى على (...)

الأمانة النبي ﷺ يعلمنا أن الكلمة أمانة
النبي ﷺ يعلمنا أن الكلمة أمانة

إن من الأمانة أن يلتزم المسلم بالكلمة الطيِّبة الحسنة والجادَّة، فيَعرِف قدر الكلمة وأهميتها؛ فالكلمة أمانة، وقد تُدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التق (...)

الأمانة النبي ﷺ يحذر من خيانة الأمانة
النبي ﷺ يحذر من خيانة الأمانة

الأمانة تعني الوفاء، والأمانة ضد الخيانة، وحفظ الأمانة يوجب سعادة الدارين، والخيانة توجب الشقاء فيهما، وقد أمر النبي ﷺ بحفظ الأمانة ونهى عن الخيانة، و (...)