وفاة أم النبيِّ ﷺ وكفالة جَدِّه

لَمَّا بَلَغَ النبيُّ ﷺ سِتَّ سِنِينَ، تُوُفِّيَتْ وَالِدَتُهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِموضع يسمَّى (الْأَبْوَاءَ)، وهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ زِيَارَةٍ قَامَتْ بِهَا مَعَهُ ﷺ إلَي أَخْوَالِه بِالْمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

كيف توفِّيت أم النبيِّ ﷺ؟

ارتحلت السيدة آمنةُ بنتُ وهب ومعها ابنُها ﷺ إلى أخوالِه بني عَديِّ بن النَّجَّار لزيارتهم، ترافقهما حاضِنَتُه أمُّ أيمنَ - رَضي اللهُ عنها - على بَعيرَين، فنَزَلَوا في دارِ النابغةِ عند قبرِ أبي النبيِّ ﷺ عبدِ الله بن عبدِ المُطَّلِب، فأقاموا به عند أخوالِه شهرًا، ثم رَجَعَوا إلى مكةَ، فلمَّا كانوا بموضع يسمَّى "الأبواء"، توُفِّيَت أُمُّ النبيِّ ﷺ آمِنةُ بنتُ وهبٍ.

فرَجَعَت به أُمُّ أيمنَ - رَضي اللهُ عنها – إلى مكَّةَ، وأمُّ أيمنَ اسمُها: بَرَكةُ بِنتُ ثَعلَبةَ بنِ حِصنٍ، حاضنة النبيِّ ﷺ، التي كانت تحبُّ النبيَّ ﷺ حُبًّا شديدًا، وتقوم على رعايته والعناية به، ولَمَّا كَبِرَ النبيُّ ﷺ كانت موضعَ بِرِّه وإحسانه، فأعتَقَها، ثم أنكَحَها زيدَ بنَ حارِثةَ - رَضي اللهُ عنه - وأنجَبَت منه أُسامةَ بنَ زيدٍ - رَضي اللهُ عنهما – حِبَّ رسول الله ﷺ وابن حبِّه، وقد توُفِّيَت أمُّ أيمنَ - رَضي اللهُ عنها - بعدما توفِّي رسولُ الله ﷺ بخَمسةِ أشهُرٍ.

زِيَارَةُ النبيِّ ﷺ قَبْرَ أمِّهِ:

كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَزُورُ قَبْرَ أُمِّهِ؛ فَقَدْ رَوَى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى، وأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي".

ورَوى أَحْمَدُ (23003) بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فنَزَلَ بِنَا، ونَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ رَاكِبٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، فَقَامَ إلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَفَدَّاهُ بِالْأَبِ والأُمِّ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ؟ قال ﷺ: "إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي في الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنَ النَّارِ".

كَفَالَةُ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:

رَجَعَتْ أُمُّ أَيْمَنَ بِالنَّبِيِّ ﷺ إِلَى مَكَّةَ، فَكَفَلَهُ جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ، ورَقَّ عَلَيْهِ رِقَّةً لَمْ يَرِقَّهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَكَانَ يُقَرِّبُهُ مِنْهُ ويُدْنِيهِ، ويَدْخُلُ عَلْيِه إِذَا خَلَا، وَإِذَا نَامَ، وَكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا إِلَّا قَالَ: "عَلَيَّ بِابْنِي"، فَيُؤْتَى بِهِ ﷺ إِلَيْه.

جُلُوسُ النبيِّ ﷺ عَلَى فِرَاشِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:

وكَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ المُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ حتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ، ولا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ؛ إجْلَالًا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ، فكَانَ الرَّسُولُ ﷺ يَأْتِي وهُوَ غُلَامٌ حتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذَهُ أعْمَامُهُ لِيُؤَخِّرُوهُ عَنْهُ، فيَقُولُ عَبْدُ المُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي يَجْلِسُ، فَوَالله إِنَّ لَهُ لَشَأْنًا، ثُمَّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، وَيَسُرُّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ.

للاستزادة


  1. الطبقات لابن سعد (1/ 93)
  2. سيرة ابن هشام (1/ 204).

اخترنا لكم


قبل الرسالة والنبوة أولاد النبيِّ ﷺ من السيدة خديجةَ
أولاد النبيِّ ﷺ من السيدة خديجةَ

من فضائل السيدة خديجة – رضي الله عنها – أنها قد اختارها الله تعالى لتكون والدةَ جميع أولاد النبيِّ ﷺ، (...)

قبل الرسالة والنبوة أمهات النبيِّ ﷺ وإخوته من الرضاع
أمهات النبيِّ ﷺ وإخوته من الرضاع

1. كانت أوَّلُ من أرضعته ﷺ هي أمَّه آمِنةَ، قيل: أرضعته ثلاثةَ أيّام، وقيل: سبعًا، وقيل: تسعًا.2. ثمّ أرضعته ثُوَيْبَةُ مَوْلاة أبي لهب مع ابن لها ر (...)

قبل الرسالة والنبوة نجاة والد النبيِّ ﷺ من الذبح
نجاة والد النبيِّ ﷺ من الذبح

لَمّا أراد عبد المطَّلب، جَدُّ النبيِّ ﷺ أن يَحفِر بئر زمزم، أحسَّ بالضَّعف لَمَّا تحدَّته قبائل قريش، حيث لم يكن لديه إلّا ابنه الحارث، فنذر لله تعال (...)

قبل الرسالة والنبوة النسب الشريف للنبيِّ ﷺ
النسب الشريف للنبيِّ ﷺ

إن النبيَّ ﷺ هو خير أهل الأرض على الإطلاق نَسَبًا، فقد بلغ نَسَبُه من الشَّرف أعلى ذِرْوَةٍ، فأشرفُ القومِ قومُه، وأشرفُ القبائل قَبيلته، وأشرفُ الأفخ (...)