نزول الوحي وتنبيه النبي ﷺ على عظم مهمته

لَمَّا بلغت سنُّ النبيِّ ﷺ أَرْبَعِينَ سنةً، أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِهِ، وَبَعَثَهُ إِلَى خِلْقِهِ، وَاخْتَصَّهُ بِكَرَامَتِهِ، وَجَعَلَهُ بشيرًا ونذيرًا إلى الناس كافَّةً.

متى نزل الوحيُ على النبيِّ ﷺ؟

خرج النبيُّ ﷺ إلى غار حِرَاءٍ كَمَا كَانَ يَخْرُجُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليهِ السَّلامُ - بِأَمْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ – وَأرسله الله تَعَالَى إلى الناس كافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، ورَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

أخرج البخاريُّ (3902) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: "بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ".

وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ؛ قال تَعَالَى: ﴿{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}﴾ [البقرة: 185].

أخرج مسلم (1162) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: "فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهُ أُنْزِلَ عَلَيَّ".

تفاصيل نزول الوحي على النبيِّ ﷺ:

رَوَت أمُّ المؤمنين عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قِصَّةَ بَدْءِ الْوَحْي بالتفصيل، في الحديث الذي أخرجه البخاريُّ (3) ومسلم (160) قَالَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي – أي: أطْلَقَنِي - فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}﴾ [العلق: 1 - 5]".

والحكمةُ في هذا الغَطِّ لإظهارِ الشِّدَّةِ، والجِدِّ في الأمر؛ تَنْبِيهًا على ثِقَلِ القولِ الذي سَيُلقى إليه ﷺ، فهي لتنبيه النبيِّ ﷺ على عِظَم وأهمية ما هو مُقدِم عليه من أمر الوحي والرسالة، وعِظَم الْمَهمَّة التي سيحمل أعباءها.

وكان ﷺ يُجيب في كل مرة بقوله: "ما أنا بقارئ"، فإنه ﷺ أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، وهذه مُعجِزة، فلو كان يقرأ ويكتب لارتابوا واتَّهموه بكتابة القرآن؛ قال تعالى: ﴿{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}﴾ [العنكبوت: 48].

والإعجاز في ذلك أنه ﷺ أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، وأتى بما يُعجِر البُلَغاء والعلماء، ونشر العلم، وجعل الناس يقرؤون ويكتبون، وبنى حضارة تأسَّست على العلم والمعرفة.


للاستزادة


  1. زاد المعاد (1/ 76).
  2. فتح الباري لابن حجر (9/ 735).

اخترنا لكم


أطلس الدعوة معرفة النبي ﷺ بما ينتظره في دعوته
معرفة النبي ﷺ بما ينتظره في دعوته

بعد ما حدث بين النبيِّ ﷺ وجبريلَ – عليه السلام – في أول لقاء بينهما وأول وحيٍ يتلقَّاه النبيُّ ﷺ، رجع إلى بيته فدخل على زوجته السيدة خديجة - رضي الله (...)

أطلس الدعوة بداية تسامع الناس بالدين الجديد
بداية تسامع الناس بالدين الجديد

أخذ الناس يتسامعون بالدين الجديد، الذي يدعو إلى عبادة الله وحده، ويأمر الخير والمعروف، وينهى عن الفواحش والمنكَر، وأخذ المؤمنون يزدادون، وسَارَعَ الفُ (...)

أطلس الدعوة بدء الدعوة السرية
بدء الدعوة السرية

بعد نزول قوله تعالى: ﴿{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}﴾ [المدثر: 1، 2] على النبيِّ ﷺ، قام يدعو إلى الله وإلى الإسلام سِرًّا، وكان طبَعي (...)

أطلس الدعوة دعوة النبي ﷺ من يعيشون في بيته
دعوة النبي ﷺ من يعيشون في بيته

بدأ النبي ﷺ بدعوة أهل بيته، فأسلمت زوجه خديجة – رضي الله عنها – وهي أول الناس إسلامًا على الإطلاق، وأسلم بنات النبي ﷺ، ثم أخذ النبي ﷺ يدعو أقرب الأقرب (...)