تقديم نبوته ﷺ قبل خلق آدم

كانت نبوَّة النبي ﷺ مذكورةً معروفة من قبل أن يَخلُقه الله تعالى ويُخرجه إلى دار الدنيا حيًّا، وكان ذلك مكتوبًا في أمِّ الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم – عليه السلام.

آيات تحدَّثت عن نبوَّة النبيِّ ﷺ قبل خلقه:

- قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].

- وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6].

- وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29] .

- وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].

- وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا دَعَا بِهِ لِأَهْلِ مَكَّةَ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ [البقرة: 129].

أحاديثُ تحدَّثت عن البشارات بالنبيِّ ﷺ:

- أخرج أحمد (22261) عن أَبي أُمَامَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ". وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ: بَدْءَ أَمْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَاشْتِهَارَ ذِكْرِهِ وَانْتِشَارَهُ، فَذَكَرَ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْعَرَبُ، ثُمَّ بُشْرَى عِيسَى الَّذِي هُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَنْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا بِهِ أَيْضًا. أَمَّا فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَقَدْ كَانَ أَمْرُهُ مَشْهُورًا مَذْكُورًا مَعْلُومًا مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

- أخرج أحمد في مسنده (17163) عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: إِنِّي عِنْدَ اللهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ: دَعْوَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةِ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَكَذَلِكَ تَرَى أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ". قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3684): "((وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ)) مِنَ الْجَدْلِ، وَهُوَ الْإِلْقَاءُ عَلَى الْأَرْضِ الصَّلْبَةِ؛ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَسَاقِطٌ وَمُلْقًى (فِي طِينَتِهِ)؛ أَيْ: خِلْقَتِهِ، وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ (مَكْتُوبٌ)؛ أَيْ: كُتِبْتُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْحَالِ الَّتِي آدَمُ مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ حَاصِلٌ فِي أَثْنَاءِ خِلْقَتِهِ، لَمَّا يُفْرَغْ مِنْ تَصْوِيرِهِ وَتَعَلُّقِ الرُّوحِ بِهِ".

- وأخرج أحمد في مسنده (20596) والحاكم في مستدركه (4209) عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: ((وآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ)).

قال الحافظ تقيُّ الدين السبكيُّ في "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد": (1/81، 82) بتصرُّف: "لم يُصب من فسرَّ قوله ﷺ: «كنت نبيًّا وآدم بين الروح والجسد» بأنه ﷺ سيصير نبيًّا؛ لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء، ووصف النبيِّ ﷺ بالنبوَّة في ذلك الوقت ينبغي أن يُفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير إليه في المستقبل، لم تكن له خصوصية بأنه نبيٌّ وآدمُ بين الروح والجسد؛ لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوَّتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبيِّ ﷺ لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلامًا لأمَّته؛ ليعرفوا قَدْره عند الله تعالى، فإن قلتَ: النبوَّة وصف لازم أن يكون الموصوف به موجودًا، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنةً؛ فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله؟ وإن صحَّ ذلك فغيره كذلك؟ قلتُ: قد جاء أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله: «كنت نبيًّا» إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمدَّه الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبيِّ ﷺ قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها، مهيَّأة لذلك، فأفاضه عليه من ذلك الوقت، فصار نبيًّا، وكتب اسمه على العرش، وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده.

فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخَّر جسده الشريف المتَّصف بها، واتِّصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليه من الله تعالى حاصل من ذلك الوقت، وإنما يتأخَّر البعث والتبليغ، وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهُّل ذاته الشريفة ﷺ وحقيقته معجَّل لا تأخُّر فيه، وكذا استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوَّة، وإنما المتأخِّر تكوُّنه وتنقُّله إلى أن ظهر ﷺ".

للاستزادة


  1. السيرة النبوية لابن كثير (1/ 286).
  2. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (1/81).

اخترنا لكم


دلائل النبوة الدخول في الإسلام بسبب حسن خلق النبي ﷺ
الدخول في الإسلام بسبب حسن خلق النبي ﷺ

كان النبيُّ ﷺ مجبولًا على الأخلاق الحميدة في أصل خِلْقَتِه، وَأَوَّلِ فِطْرَتِهِ، بِجُودٍ إلَهِيٍّ، وخُصُوصِيَّهٍ رَبَّانِيَّةٍ، فكان ﷺ وَصُولًا للرَّ (...)

دلائل النبوة الأنبياء الذين لقيهم النبي ﷺ في السموات
الأنبياء الذين لقيهم النبي ﷺ في السموات

لقد لَقِيَ النبيُّ ﷺ عددًا من الأنبياء – عليهم السلام – في السموات السبع، فلماذا لقي هؤلاء الأنبياء دون غيرهم؟ (...)

دلائل النبوة فضائل أولى قبلتي النبي ﷺ المسجد الأقصى
فضائل أولى قبلتي النبي ﷺ المسجد الأقصى

للمسجد الأقصى فضائلُ عظيمةٌ، وهو من أكبر مساجد الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبويِّ الشريف. سبب تسميته المسجد الأقصى:سبب تسميته (...)

دلائل النبوة النبي ﷺ عند سدرة المنتهى
النبي ﷺ عند سدرة المنتهى

لقد رأى النبيُّ ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج من آيات ربِّه الكبرى، ومنها أنه صعد إلى سدرة المنتهى؛ قال تعالى: (...)