الحكمة من فرض الصلوات الخمس على النبي ﷺ في السماء

فرض الله تعالى الصلواتِ ليلةَ الإسراء والمعراج في السماء خمسين صلاةً في اليوم والليلة، ثم خفَّفها إلى خمس صلوات في اليوم والليلة؛ كما ورد في الحديث الطويل الذي رواه البخاريُّ ومسلم، قال النبيُّ ﷺ: «ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ، فَرَجَعْتُ، فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا، فَقَالَ مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِيَ إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرًا».

لماذا فُرضت الصلاة في السماء ليلة الإسراء والمعراج؟

مما يدلُّ على أهمية الصلاة وقدرها أنها لم تُفرَض بطريق الوحي المعهود؛ فهي الفريضة الوحيدة التي فُرضت في السماء ليلةَ المعراج، ولعلَّ الحكمة من ذلك الإشارة إلى أن الصلاة هي المعراج الروحيُّ الذي تتَّصِل فيه روح المؤمن بالله تعالى، حيث تكون الصلاة معراجًا للمؤمن تَعرُج فيه روحه وقلبه إلى الله تعالى، فبالصلاة يترفَّع المؤمن عن شهوات الدنيا وأهوائها، ويشهد قُدرة الله تعالى وعَظَمته ووحدانيته؛ فعلامةُ صِدق الصلاة أن تَعصِم صاحبها من الشهوات والأهواء والدنايا، وأن تجعله يَخجَل ويتوب إلى ربِّه إن أصابه شيء منها.

وكذلك الإشارة إلى أن من أراد أن يُكلِّم الله تعالى من غير واسطة، فليقم بأداء الصلاة، فقد فرض الله تعالى الصلاة على نبيِّه ﷺ مباشرةً دون واسطة.

والتنبيه على فضلها وتميُّزها عن باقي الفرائض، حيثُ إنّها مُناجاةٌ بين العبد وربّه، ورفعة للإنسان الذي يُحافظ عليها.

من فضائل الصلاة:

  •  عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لوقتهن وَأتم ركوعهن خشوعهن، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»([1] ).
  •  أنها تكفِّر الخطايا دومًا وتطهِّر المؤمن؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعة، ورمضانُ إلى رمضانَ، مُكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتَنَب الكبائر»( [2]).
  •  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»( [3]).
  •  عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ المحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّين»([4] ).
  •  عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا»( [5]).
  •  عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ  سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"([6] ).
  •  قال  في فضل جماعتها: «صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»( [7]).
  •  أعدَّ الله تعالى منزلاً في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاح»( [8]).
  •  من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه رجلٌ معلَّقٌ قلبُه بالمساجد؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وذكر منهم: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ»( [9]).
  •  أن صلاة الجماعة تشهدها الملائكة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»( [10]).
  •  صلاة الجماعة لها الفضل العظيم؛ عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ الليْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الليْلَ كُلَّهُ» ( [11]).
  •  صلاة الجماعة تعطيك النور التامَّ يوم القيامة؛ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: «بَشِّرِ المشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([12] ).

[1] رواه أحمد (23080)، وابن ماجه (1401)، وأبو داود (425) وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب (370).

[2] رواه مسلم (233).

[3] رواه مسلم (251).

[4] رواه أحمد (22304)، وأبو داود (558)، وحسَّنه الألبانيُّ.

[5] رواه البخاريُّ (528)، ومسلم (667).

[6] أخرجه مسلم (654).

[7] رواه البخاريُّ (645)، ومسلم (650).

[8] رواه البخاريُّ (662)، ومسلم (669).

[9] رواه البخاريُّ (660)، ومسلم (1031).

[10] رواه البخاريُّ (555)، ومسلم (632).

[11] رواه مسلم (656).

[12] رواه أبو داود (561)، والترمذيُّ (223)، وابن ماجهْ (781)، وصحَّحه الألبانيُّ.

للاستزادة


  1. البداية والنهاية لابن كثير (3/ 122).
  2. اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (1/500).

اخترنا لكم


دلائل النبوة ذِكره ﷺ في الكتب المتقدمة
ذِكره ﷺ في الكتب المتقدمة

لقد ورد ذكر النبيِّ ﷺ في الكتب السابقة، وهذا ثابت في القرآن الكريم أن النبيَّ ﷺ مذكور في التوراة والإنجيل، (...)

دلائل النبوة عصمة النبي ﷺ من اليهودية بإنطاق الشاة المسمومة
عصمة النبي ﷺ من اليهودية بإنطاق الشاة المسمومة

لقد تكفَّل الله تعالى بعصمة نبيَّه ﷺ وحفظه من أعدئه، وقد كان النبي ﷺ يعتمد على عصمة الله له، بعد (...)

دلائل النبوة دعاء النبي ﷺ على مَشْيخة قريش
دعاء النبي ﷺ على مَشْيخة قريش

كان النبيُّ يصفح عن إيذاء كفار قريش ويتجاوز عنهم في بداية الدعوة؛ عملًا بأمر الله تعالى له: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: 85]، وقوله: ﴿و (...)

دلائل النبوة صفات النبيِّ ﷺ الخَلْقية والخاتم بين كتفيه
صفات النبيِّ ﷺ الخَلْقية والخاتم بين كتفيه

حبا الله تعالى رسوله المرتضى، ونبيَّه المجتبى، وحبيبه المصطفى ﷺ بصفاتٍ عظيمة جليلة، سواء أكانت صفاتٍ خُلُقيةً ظهرت على سلوكه (...)