النبي ﷺ عند سدرة المنتهى

لقد رأى النبيُّ ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج من آيات ربِّه الكبرى، ومنها أنه صعد إلى سدرة المنتهى؛ قال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 14 - 16].

سدرة المنتهى:

السِّدْرة واحدة السِّدر، وهو نوع من الشجر، وأُضيفت إلى المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولا يجاوزها، وقيل غير ذلك.

في أيِّ سماء سدرة المنتهى؟

الراجح أنها في السماء السابعة، وقيل: أصلها في السادسة، وأكثرها في السابعة.

قال ابن حجر في فتح الباري (7/ 615): "إن أصلَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى في السماء السادسة، وأغصانُهَا وفروعُهَا في السماء السابعة".

وفي الصحيحين، قال ﷺ: ((فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنَ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ، فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَات)).

(النَّبْقُ): هو ثَمَرُ السِّدْرِ. (القِلالُ): جمعُ قُلَّة، وهي الجِرَارُ، يريد أن ثمرها في الكِبَر مثل القِلَال، (هَجَر): هي مدينة الإحساء.

قوله ﷺ: ((فإذا في أصلها أربعة أنهار)). قال ابن حجر في فتح الباري (7/ 616): "يُحتمَل أن تكون سدرةُ المنتهى مغروسةً في الجنة، والأنهار تخرج من تحتها".

قال النووي في شرح مسلم (3/ 2): "قَوْلُهُ: (انْتَهَى بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ)، كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ (السَّادِسَة)، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ. قَالَ الْقَاضِي: كَوْنُهَا فِي السَّابِعَةِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى، وَتَسْمِيَتُهَا بِالْمُنْتَهَى، قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ أَصْلُهَا فِي السَّادِسَةِ، وَمُعْظَمُهَا فِي السَّابِعَةِ؛ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْعِظَمِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ سدرة في السماء السابعة قد أظلَّت السماواتِ وَالْجَنَّةَ".

ومعنى أن النهرين الظاهرين هما النيل والفرات أن رسالته ﷺ ستتوطَّن الأودية الخِصبة في النِّيل والفرات، وسيكون أهلها حَمَلة الإسلام جِيلًا بعد جيل، وليس معناه أن مياه النهرين تَنبَع من الجنَّة. (الرحيق المختوم (ص 126)).

للاستزادة


  1. إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (1/ 525).
  2. اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (1/ 497).

اخترنا لكم


دلائل النبوة ما دار بينه ﷺ وبين المشركين وصبره على بلوى الدعوة والأذية
ما دار بينه ﷺ وبين المشركين وصبره على بلوى الدعوة والأذية

لقد كانت حياة النبيِّ ﷺ كلُّها صبرًا لا ينقطع، وجهادًا ومجاهدة، وعملًا دائبًا، منذ أن نزلت عليه أوَّل آية، وحتى آخر لحظة في حياته، وقد أدرك ﷺ طبيعة ما (...)

دلائل النبوة فضائل أولى قبلتي النبي ﷺ المسجد الأقصى
فضائل أولى قبلتي النبي ﷺ المسجد الأقصى

للمسجد الأقصى فضائلُ عظيمةٌ، وهو من أكبر مساجد الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبويِّ الشريف. سبب تسميته المسجد الأقصى:سبب تسميته (...)

دلائل النبوة أسماء النبيِّ ﷺ وكُنْيته
أسماء النبيِّ ﷺ وكُنْيته

إن للنبيِّ ﷺ أسماءً كثيرة، ثبتت في القرآن والسُّنَّة، ورد منها في القرآن الكريم اسمان فقط، هما: "محمد"، و"أحمد"، وورد (...)

دلائل النبوة سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا

كانت رحلةُ الإسراء والمعراج مواساةً للنبىِّ ﷺ وتَسْريَةً لنفسه، وإذهابًا للوحشة التى نالت قلب الرسول ﷺ بفَقْد حبيبينِ: زوجِه خديجةَ (...)