إسلام حِبه ﷺ زيد بن حارثة

هو زَيْدُ بن حَارِثَةَ بن شُرَحْبِيلَ، أبو أسامةَ، حِبُّ رسولِ اللَّهِ ﷺ، ومَوْلاه - والمَوْلَى: هو المَمْلُوكُ الذي أُعْتِقَ - كان لخديجةَ أوَّلًا، فوَهَبَتْهُ إلى رسول اللَّه ﷺ قَبْلَ النُّبوَّةِ، فتَبَنَّاهُ، فكان يُقال له: زيدُ بنُ محمَّدٍ، ولم يَزَل كذلك حتى أنزل اللَّه تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 5]، وهاجرَ، وشَهِدَ بَدْرًا وما بَعْدَها، إلى أن بَعَثَهُ رسول اللَّه ﷺ عامَ ثمانٍ للهجرةِ أمِيرًا على جيش مُؤْتَةَ، فلقُوا الروم هنالك في جَمْعٍ عَظِيمٍ في معركة مُؤْتَةَ، فقُتلَ هنالكَ -رضي اللَّه عنه- وعُمْرُه خمس وخمسُونَ سنةً.

إسْلامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ - رضي اللَّه عنه -:

كان زيدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه - أوَّلَ مَنْ أسْلَمَ مِنَ المَوَالِي، ويُقَالُ لَهُ: حِبُّ النبيِّ ﷺ، وهُوَ الذِي آثَرَ رسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى وَالِدِهِ وأهْلِهِ.

سَبَبُ وُجُودِ زيد بن حارثةَ عِنْدَ النبيِّ ﷺ:

قَدِم حَكِيمُ بنُ حِزَامِ بن خُوَيْلِدٍ - وهو ابنُ أخِي خَدِيجةَ زَوْجِ النبي ﷺ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وتأخَّرَ إسلامه حتى أسلَمَ عامَ الفَتْحِ، وَكَانَ مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وأعطاهُ رسُول اللَّه ﷺ يومَ حُنَيْن مِائَةَ بَعِيرٍ، ثم حَسُنَ إسْلامُهُ - قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بِرَقِيقٍ، فِيهِمْ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه- فدَخَلَتْ عليهِ خدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدَ، فَقَالَ لهَا: اخْتَارِي أيَّ هَؤُلَاءِ الغِلْمَانِ شِئْتِ، فهُوَ لَكِ، فاختارَتْ زَيْدًا، فأخَذَتْهُ، فلمَّا رآهُ النبيُّ ﷺ أعْجَبَهُ، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فأعْتَقَهُ رسُولُ اللَّهِ ﷺ وتَبَنَّاهُ، فَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ، وذلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.

تفضيل زيد النبيَّ ﷺ على أبيه وقومه:

كَانَ أبُو زيدٍ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عليهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وبكَى عليهِ حِينَ فَقَدَهُ، فلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ بِمَكَّةَ، قدِمَهَا لِيَفْدِيَهُ، فدَخَلَ حَارِثَةُ وَأخُوهُ عَلَى النبيِّ ﷺ فَقَالَ: يا ابنَ عبدِ اللَّهِ، يا ابنَ عبدِ المُطَّلِبِ، يا ابنَ هَاشِمٍ، يا ابنَ سَيِّدِ قَوْمِه، أنْتُمْ أَهْلُ الحَرَمِ، وجِيرَانُهُ، وعِنْدَ بَيْتِهِ، تَفُكُّونَ العَانِيَ، وتُطْعِمُونَ الأسِيرَ، جِئْنَاكَ فِي ابْنِنَا عِنْدَكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، وَأحْسِنْ إلَيْنَا في فِدَائِهِ، فإنَّا سَنَرْفَعُ لَكَ فِي الفِدَاءِ.

فَقَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ هُوَ؟".

قَال: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.

فَدَعَا رسولُ اللَّهِ ﷺ زَيْدًا، فَقَالَ لَهُ: "إنْ شِئْتَ فَأقِمْ عِنْدِي، وإنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أبِيكَ".

فَقَالَ زَيْدٌ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ، ومَا أنَا بِالذِي أَخْتَارُ عَلَيْكَ أحَدًا، أَنْتَ مِنِّي بِمَكَانِ الأبِ وَالأمِّ.

فقَال: وَيْحَكَ يَا زَيْدُ! أتَخْتَارُ العُبُودِيَّةَ عَلَى الحُرِّيَّةِ، وعَلَى أبِيكَ وعَمِّكَ وأَهْلِ بَيْتِكَ؟!

قَالَ: نَعَمْ؛ إنِّي قَدْ رَأيْتُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا، ما أنَا بِالذي أَخْتَارُ عَلَيْهِ أحَدًا أبَدًا.

فَلَمْ يَزَلْ زَيْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَصَدَّقَهُ، وأسْلَمَ، وصَلَّى مَعَهُ، فأنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: 5]، قَالَ: أنَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ.


للاستزادة


  1. سنن الترمذيِّ (باب مناقب زيد بن حارثة رضي اللَّه عنه) (6/ 154).
  2. الإصابة (2/ 494).

اخترنا لكم


الدعوة السرية تسامع الناس بدعوة النبي ﷺ
تسامع الناس بدعوة النبي ﷺ

أخذ الناس يتسامعون بالدين الجديد، الذي يدعو إلى عبادة الله وحده، ويأمر الخير والمعروف، وينهى عن الفواحش والمنكَر، وأخذ المؤمنون يزدادون، وسَارَعَ الفُ (...)

الدعوة السرية بداية نبوته ﷺ الرؤيا الصادقة
بداية نبوته ﷺ الرؤيا الصادقة

كانت بشائر نبوَّة النبيِّ ﷺ ظاهرةً منذ مولده ﷺ؛ مثل كماله الأخلاقيِّ وسط مجتمع الجاهلية، وعندما اقترب نزول الوحيِ عليه، بدأت تَلُوحُ آثارُ النُّبُوَّة (...)

الدعوة السرية النبيُّ ﷺ يقصُّ على خديجةَ أمر جبريلَ
النبيُّ ﷺ يقصُّ على خديجةَ أمر جبريلَ

بعد ما حدث بين النبيِّ ﷺ وجبريلَ – عليه السلام – في أول لقاء بينهما وأول وحيٍ يتلقَّاه النبيُّ ﷺ، رجع إلى بيته فدخل على زوجته السيدة خديجة - رضي الله (...)

الدعوة السرية الوضوء والصلاة من أول أوامر الله للنبيِّ ﷺ
الوضوء والصلاة من أول أوامر الله للنبيِّ ﷺ

بدأ المسلمون يتلقَّون القرآن الكريم من النبيِّ ﷺ، والقرآن يتنزل تترى دون انقطاع، وبدأ الاجتهاد في العبادة والطاعة، بعد أن ثبتت عقيدتهم في توحيد الله ت (...)