كَانَ النبيُّ ﷺ في كَفَالَةِ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فلَمَّا بَلَغَ ثَمَانِية أعوام، تُوُفِّيَ جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ.
دُفِن عبد المطلب جد النبيِّ بالحجون ﷺ وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنةً، ويُقال: ابن مائةٍ وعشْرِ سنينَ، وقيل: مَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ حرب الْفِجَارِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ.
وسُئل رسول الله ﷺ: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم، أنا يومئذ ابن ثماني سنين، وقالت أمُّ أيمن: رأيت رسول الله ﷺ يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب.
وصية عبد المطلب لأَبِي طَالِبٍ بكَفَالَة النَّبِيِّ ﷺ:
أوصى عبد المطَّلِب ابنَه أبا طالبٍ بِكَفَالَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وحِفظِه، ورعايته، وأوصَى به ﷺ إلى أبي طالِبٍ؛ لأنَّ عبدَ الله أبا النبيِّ ﷺ وأبا طالبٍ كانا أخوين شقيقين لأب وأُمٍّ، أُمُّهُما فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بنِ عَائِذٍ.
قيام أبي طالب بحق ابن أخيه ﷺ:
لَمَّا مات عبدُ المطلب، قام أبو طالب بحقِّ ابن أخيه على أكمل وجه، وضمَّه إلى وَلَده؛ بل إنه قدَّمه عليهم، واختصَّه بفضل احترام وتقدير، وكان يُحِبُّه حبًّا شديدًا لا يُحِبُّ وَلَدَه مِثله، وكان لا يَنامُ إلَّا إلى جَنبِه، وكان يَخُصُّه بالطَّعامِ، وكان عيالُ أبي طالِبٍ إذا أكلوا جميعًا أو فُرادَى لم يَشبَعوا، وإذا أكَل معهم رسولُ الله ﷺ شَبِعوا، وكان أبو طالِبٍ إذا أراد أن يُغدِّيَهم أو يُعشِّيَهم يقول: كما أنتُم حتى يَحضُرَ ابني، فيَأتي رسولُ الله ﷺ فيأكُلُ معهم فيُفضِلون من طَعامِهم، وإن لم يَكُن معهم لم يُشبِعْهم، وإن كان لَبنًا، شَرِبَ هو أوَّلَهم ثم يتناوَلُ العيالُ الإناء، فيَشرَبون منه، فيُروَون عن آخِرِهم من إناء واحِدِ، وإن كان أحدُهم لَيَشرَبُ إناءً وَحدَه، فيقول أبو طالبٍ: "إنَّكَ لَمُبارَكٌ!".
وظلَّ أبو طالب يُعِزُّ جانب ابن أخيه ﷺ أكثرَ من أربعين سنةً، ويَبسُط عليه حمايته، ويُصادق ويُخاصم من أجله، وسيأتي ذكر مواقفَ كثيرةٍ تعبِّر عن هذا في مواضعها.