ردُّ كيد أبي جهل عن النبي ﷺ

لَمَّا صدع النبيُّ ﷺ بأمر الله تعالى، ودعا أهل مكة إلى التوحيد وترْك عبادة الأصنام، لَقِي من قريش جحودًا وشدَّة، وإعراضًا وإيذاءً، وكان أبو جهل من أوائل وأشدِّ المشركين إيذاءً للنبيِّ ﷺ.

تَكْنيَة ﷺ النبيِّ لأبي جهل:

أبو جهل كُنْية لعدوِّ الله عمرِو بنِ هشام، كنَّاه بها النبيُّ ﷺ بعد أن كان يُكنى بأبي الحَكَم؛ وذلك لشدَّة عداوته وإيذائه للنبيِّ ﷺ والمسلمين.

قال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 309): "وكذلك تَكْنِيته ﷺ لأبي الحكم بن هشام بأبي جهل، كنية مطابقة لوصفه ومعناه، وهو أحقُّ الخَلْق بهذه الكُنية".

سبب عداء أبي جهل الشديد للإسلام:

لقد أظهر أبو جهل العداء الشديد للنبيِّ ﷺ، وللإسلام، مع أنه كان يعلم ويُقِرُّ بصدق النبيِّ ﷺ.

قال القرطبيُّ في تفسيره (16/ 170)، عند تفسير قول الله تعالى: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ﴾ [الجاثـية: 23]: "وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ ذَاتَ ليلة ومعه الوليد بن الْمُغِيرَةِ، فَتَحَدَّثَا فِي شَأْنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ. فَقَالَ لَهُ: مَهْ! وَمَا دَلَّكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، كُنَّا نُسَمِّيهِ فِي صِبَاهُ الصَّادِقَ الْأَمِينَ، فَلَمَّا تَمَّ عَقْلُهُ وَكَمُلَ رُشْدُهُ، نُسَمِّيهِ الْكَذَّابَ الْخَائِنَ!! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتُؤْمِنَ بِهِ؟ قَالَ: تَتَحَدَّثُ عَنِّي بَنَاتُ قُرَيْشٍ أَنِّي قَدِ اتَّبَعْتُ يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَجْلِ كِسْرَةٍ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنِ اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا. فَنَزَلَتْ: {وَخَتَمَ عَلَى سمعه وقلبه}".

وقال ابن القيم في هداية الحيارى (1/ 246): "وَقَدْ قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ - وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي جَهْلٍ - يَا خَالُ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَ مُحَمَّدًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِينَا صَادِقًا وَهُوَ شَابٌّ، يُدْعَى الْأَمِينَ، فَمَا جَرَّبْنَا عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ، قَالَ: يَا خَالُ، فَمَا لَكُمْ لَا تَتْبَعُونَهُ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو هَاشِمٍ الشَّرَفَ، فَأَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا، وَسَقَوْا وَسَقَيْنَا، وَأَجَارُوا وَأَجَرْنَا، حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ؟!

وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مِنْ قُرَيْشٍ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَيْحَكَ! وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ؛ وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَتْ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ وَالْحِجَابَةِ وَالسِّقَايَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟!".

 كيد وإيذاء أبي جهل للنبي ﷺ:

من مواقف وصور الإيذاء والعداء من أبي جهل للنبي ﷺ:

روى البخاريُّ ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ. فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا»، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: 9 - 19].

قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 329): "وقول النبىِّ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا»، هذا من جملة آياته - عليه الصلاة والسلام - وعلامات نبوَّته، ولهذا الحديث أمثلةٌ كثيرة فى عصمته من أبى جهل وغيره ممن أراد ضرَّه، وحماية الله له بما ذكر، وتلك الأجنحة أجنحة الملائكة، والله أعلم".

وقال ابن حجر في فتح الباري (8/ 724): "فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا»، وَإِنَّمَا شُدِّدَ الْأَمْرُ فِي حَقِّ أَبِي جَهْلٍ، وَلَمْ يَقَعْ مِثْلُ ذَلِكَ لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، حَيْثُ طَرَحَ سَلَى الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي مُطْلَقِ الْأَذِيَّةِ حَالَةَ صَلَاتِهِ؛ لَكِنْ زَادَ أَبُو جَهْلٍ بِالتَّهْدِيدِ، وَبِدَعْوَى أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَبِإِرَادَةِ وَطْءِ الْعُنُقِ الشَّرِيفِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا اقْتَضَى تَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ".

وَروى البخاريُّ ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالنَّبِيُّ ﷺ سَاجِدٌ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ إِلَى فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ، وَهِيَ جُوَيْرِيَّةٌ فَطَرَحَتْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ ﷺ صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَذَكَرَ السَّابِعَ لَمْ أَحْفَظْهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ".

وروى الترمذيُّ والنسائيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي، فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ فَزَبَرَهُ – أي: نَهَره - فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ وَالْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمَيَّةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَنَبِيهَ وَمُنَبِّهَ ابْنَا الْحَجَّاجِ اجْتَمَعُوا وَمَنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذَرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ قَالَ: فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيعًا وَظَنَّ أَنْ قَدْ بَدَا لِقَوْمِهِ فِي أَمْرهِ بُدُوٌّ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا وشَتْمِ آبَائِنَا وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ غَدًا بِحَجَرٍ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ - أَوْ كَمَا قَال - فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ أَرْضَخْتُ رَأْسَهُ فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ أَوِ امْنَعُونِي فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُسْلِمُكَ لشَيْءٍ أَبَدًا فَامْضِ لِمَا تُرِيدُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ أَخَذَ حَجَرًا كَمَا قَالَ وَجَلَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَنْتَظِرُهُ وَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَمَا يَغْدُو وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ قَعَدَتْ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى الْحَجَرِ فَقَذَفَ الْحَجَرَ عَنْ يَدِهِ، وَقَامَ إِلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ وَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: قُمْتُ إِلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمُ الْبَارِحَةَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ دُونَهُ فَحْلٌ مِنَ الْإِبِلِ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ فَهَمَّ أَنْ يَأْكُلَنِي فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ذَلِكَ جِبْرَئِيلُ لَوْ دَنَا مِنْهُ لَأَخْذَهُ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ قَطُّ. رواه أبو نعيم في دلائل النبوة.

وعَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَيَتَعَرَّضُ لَهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا يُرِيدُ حَاجَتَهُ نِصْفَ النَّهَارِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَبَلَغَ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْحَجُونِ وَكَانَ يَبْعُدُ إِذَا ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَرَآهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: لَا أَجِدُهُ أَبَدًا أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ فَأَغْتَالُهُ قَالَ: فَدَنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا مَرْعُوبًا إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَقِيَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ الْآنَ؟ فَقَالَ النَّضْرُ: أَتْبَعْتُ مُحَمَّدًا رَجَاءَ أَنْ أَغْتَالَهُ وَهُوَ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَإِذَا أَسَاوِدُ تَضْرِبُ بِأَنْيَابِهَا عَلَى رَأْسِهِ فَاتِحَةً أَفْوَاهَهَا فَهَالَتْنِي فَذُعِرْتُ مِنْهَا وَوَلَّيْتُ رَاجِعًا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا بَعْضُ سِحْرِهِ" رواه أبو نعيم في دلائل النبوة.

وَفي حصار شعب أبي طالب لَقِيَ أَبُو جَهْلٍ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ؟ وَاللَّهِ لَا تَبْرَحُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ، فَجَاءَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهُ؟ قَالَ: يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا؟ خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَاحْتَمَلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَحْيَ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ يَرَى ذَلِكَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَجِهَارًا لَا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. رواه أبو نعيم في دلائل النبوة.

للاستزادة


  1. سيرة ابن هشام (1/ 291).
  2. دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (ص: 205).

اخترنا لكم


دلائل النبوة الأنبياء الذين لقيهم النبي ﷺ في السموات
الأنبياء الذين لقيهم النبي ﷺ في السموات

لقد لَقِيَ النبيُّ ﷺ عددًا من الأنبياء – عليهم السلام – في السموات السبع، فلماذا لقي هؤلاء الأنبياء دون غيرهم؟ (...)

دلائل النبوة ذِكره ﷺ في الكتب المتقدمة
ذِكره ﷺ في الكتب المتقدمة

لقد ورد ذكر النبيِّ ﷺ في الكتب السابقة، وهذا ثابت في القرآن الكريم أن النبيَّ ﷺ مذكور في التوراة والإنجيل، (...)

دلائل النبوة ما رآه النبي ﷺ في الجنة
ما رآه النبي ﷺ في الجنة

لقد شاهد النبيُّ ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج المباركة من آيات الله الكبرى، ومن ذلك أنه ﷺ أُدخِل الجنَّة، وسنذكر (...)

دلائل النبوة تقديم نبوته ﷺ قبل خلق آدم
تقديم نبوته ﷺ قبل خلق آدم

كانت نبوَّة النبي ﷺ مذكورةً معروفة من قبل أن يَخلُقه الله تعالى ويُخرجه إلى دار الدنيا حيًّا، وكان ذلك مكتوبًا في أمِّ الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم (...)