شَقُّ صدر النبيِّ ﷺ

حَادِثَةُ شَقِّ صدره الشَّرِيفِ ﷺ:

عَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رسُولَ الله ﷺ، فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أوَّلُ شَأْنِكَ يا رَسُولَ الله؟

فقَالَ رسُولُ الله ﷺ: "كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أنَا وابْنٍ لَهَا فِي بَهْمٍ - وهي ولد الضَّأْنِ - لنَا، ولَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا – أي: حليمة السعدية - فَانْطَلَقَ أَخِي، ومَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أبْيَضَانِ، كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي – أي: يُسرِعان نحوي - فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي إِلَى القَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فأخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ، فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ، فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ، فَذَرَّاهَا – أي: نثراها - فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ، فَحَاصَهُ – أي: خاطه - وخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ انْطَلَقَا وتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ – أي: خفتُ وفزعت - فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالذِي لَقِيتُهُ، فأشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بي – أي: خُلِط على عقلي - قَالَتْ: أُعِيذُكَ بِالله، فَرَحَّلَتْ بَعِيرًا لَهَا، وَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، ورَكِبَتْ خَلْفِي حتَى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي، فقَالَتْ: أَوَأَدَّيْتُ أَمَانَتِي وذِمَّتِي؟ وحَدَّثَتْهَا بِالذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، وقَالَتْ: إنِّي رَأَيْتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ" .

وَرَوَى مُسْلِمٌ (162) عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ أتَاهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ القَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءَ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ – أي: جَمَعه وضمَّ بعضه على بعض - ثُمَّ أَعَادَهُ في مَكَانِهِ، وجَاءَ الغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَه - الظِّئْرُ: المُرْضِعَةُ غيرَ ولدها - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلْ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وهُوَ مُنْتَقِعُ – أي: متغيِّر - اللَّوْنِ. قَالَ أنَسٌ: وقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ المَخِيطِ فِي صَدْرِهِ.

عُمُرُ النبيِّ ﷺ عِنْدَمَا شُقَّ صَدْرُهُ:

قيل: كان عمره سنتين، وقيل: أربعًا، وجزم العراقيُّ وابن حجر في سيرته أنه كان في الرابعة ﷺ.

تَكْرَارُ شَقِّ صَدْرِه ﷺ:

وقَدْ رُوي تَكْرار شق صدره ﷺ أكثرَ من مرَّة ، منها وهو ابن عشر سنين، وأخرى عند المبعث، إلا أنه لم يصحَّ تَكرار شقِّ صدره إلا عند رحلة الإسراء والمعراج.

أخرج البخاريُّ (349) ومسلم (163) عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رسُولُ الله ﷺ: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وأنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَليهِ السَّلامُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ..." وذَكَرَ حَدِيثَ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ.

قَالَ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 604): "ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ عِنْدَ إِرَادَةِ العُرُوجِ بِهِ ﷺ إِلَى السَّمَاءِ لِيَتَأَهَّبَ لِلْمُنَاجَاةِ".

وقال الغزاليُّ في "فقه السيرة" (ص 66): "ولعلّ أحاديث شقِّ الصدر تُشير إلى هذه الحَصَانات التي أضْفاها الله على محمد ﷺ، فجعلته من طفولته بنَجْوةٍ قَصِيَّة عن مَزَالق الطبع الإنسانيِّ، ومَفاتن الحياة الأرضية".


للاستزادة


  1. الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 91).
  2. فقه السيرة للغزالي (ص 66).

اخترنا لكم


قبل الرسالة والنبوة مرافقة النَّبِيِّ ﷺ لعمِّه في السفر إلى الشام
مرافقة النَّبِيِّ ﷺ لعمِّه في السفر إلى الشام

عَزَمت قُريش أن يُجَهِّزُوا عِيرًا إلى الشَّامِ بِتِجَارَاتٍ وأموال عِظَام، وعزم أَبُو طَالِبٍ المَسِيرَ في تلك العِير، وأراد النبيُّ ﷺ مرافقة عمِّه أ (...)

قبل الرسالة والنبوة وفاة أم النبيِّ ﷺ وكفالة جَدِّه
وفاة أم النبيِّ ﷺ وكفالة جَدِّه

لَمَّا بَلَغَ النبيُّ ﷺ سِتَّ سِنِينَ، تُوُفِّيَتْ وَالِدَتُهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِموضع يسمَّى (الْأَبْوَاءَ)، وهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ (...)

قبل الرسالة والنبوة زواج والدَي النبي ﷺ عبدالله وآمنة
زواج والدَي النبي ﷺ عبدالله وآمنة

زواج عبد الله بآمنة بنت وهبأصبح عبد الله مِلْءَ الأسماع والأبصار، ونَجْمًا في سماء قُريش بعد واقعة فدائه من الذبح، وقد كان عبد الله شابًّا، نَسِيبًا (...)

قبل الرسالة والنبوة أولاد النبيِّ ﷺ من السيدة خديجةَ
أولاد النبيِّ ﷺ من السيدة خديجةَ

من فضائل السيدة خديجة – رضي الله عنها – أنها قد اختارها الله تعالى لتكون والدةَ جميع أولاد النبيِّ ﷺ، (...)